الثلاثاء, يوليو 2

عن معنى “المقاومة” والذهاب إلى شاطئ صور والتمتع ببحرها

حسين سعد – المدن

أبحر مركب سياحي أنيق، من ميناء الصيادين في مدينة صور، في رحلة قصيرة باتجاه “الزيرة”، وهي معلم بحري، عبارة عن صخرة كبيرة عائمة، تبعد أميالاّ عن الميناء. كان المركب يحمل على متنه مجموعة من الشبان الجنوبيين، الذين أنهوا للتو امتحانات الفصل الأخير في الجامعة.

هذا المركب، هو واحد من أصل حوالى 15 مركباً متخصصاً برحلات “شم الهوا”، وتشهد عادة إقبالاّ كبيراّ، خصوصاً مع عودة المغتربين، الذين لم يبدأ قدومهم بشكل لافت إلى الآن، نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية.
هؤلاء الشبان، يؤمنون بأن مواظبتهم على جامعاتهم القريبة من خطوط العمليات العسكرية وجدارات الصوت الترهيبية، وأيضاّ التمتع بالحياة والأسفار إلى البحر والنهر، جزء لا يتجزأ من الثبات في الأرض ونصرة للمقاومة. وقناعتهم بأن العدو الإسرائيلي، الذي كان ينقض على الصيادين ومراكبهم ساعة يشاء في صور والناقورة وحتى الصرفند لم يعد بإمكانه القدوم في نزهة إلى بحرهم وشواطئهم.

صيادون وأطفال.. ورمال ذهبية
في الجهة الجنوبية من بحر صور، الذي تتلاقى مياهه مع مياه بحر عكا وحيفا في فلسطين، يرمي صيادون محترفون وأطفال وأحياناّ نسوة، صناراتهم المزودة بطعم لجذب السمك لأمتار قليلة في البحر، وهم لا يشيحون نظرهم عن هضاب الناقورة وجاراتها، التي يرتفع منها دخان الغارات الإسرائيلية.

بيديه اللتين اعتادتا صيد السمك، يلقي خليل عابد صنارته، التي لا تخيب، فيجمع قليلاّ من السمك، غير آبه بارتجاج الأبنية الشاهقة عند الكورنيش البحري الجنوبي، جراء خرق جدار الصوت، الذي افتعلته الطائرات الإسرائيلية مرتين متتاليتين أثناء الصيد.
خلف عابد، كان هناك ثلاثة أولاد لا يتجاوز كبيرهم 12 عاماّ، بينهم يوسف فران، إبن مدينة صور، الذي أنهى مع رفيقيه الفلسطينيين، امتحانات آخر السنة المدرسية. لا يبالي هذا الطفل بأصوات القذائف والتهديدات الإسرائيلية. وهو مقتنع بأن هناك من يردع إسرائيل (المقاومة).
وعلى يسار الصيادين، غرب استراحة صور، يفترش أولاد وأطفال الرمال، التي تنعكس الشمس على حبيباتها ليظهر لمعانها الذهبي، فيما ينهمك آباؤهم وأمهاتهم بإعداد النراجيل، على وقع تهادي موج البحر.

في معنى الصمود
تعتبر أم آدم، التي قصدت بحر صور من بلدتها الزرارية، أن الخروج إلى بحر صور، الأقرب إلى فلسطين، هو بمثابة تأكيد على حقنا والبقاء على أرضنا إلى جانب أبنائنا المقاومين والفرق الإسعافية وفرق الدفاع المدني. فاستمرار العائلات في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، هو أسطع وجوه المقاومة الشعبية ورفع المعنويات.

المشهد البحري الصوري لا ينتهي. ففي مقلب الخيم البحرية ومنطقة الجمل، غرب المدينة، كانت إرادة المستثمرين بفتح الموسم الصيفي، من بينهم مستثمرون من مجدل زون وشيحين وكفرا التي تتعرض لعدوان إسرائيلي مستمر.

إبن مجدل زون، هشام شحيمي، يستثمر على شاطىء صور الجنوبي خيمة بحرية، ومع الموعد المحدد من جانب بلدية صور لإطلاق نشاط الخيم البحرية، لم يتردد شحيمي وزملاؤه بتشييد خيمته رغم الحرب الدائرة في الجنوب واقترابها أكثر من مرة إلى صور.
يوضح شحيمي لـ”المدن”، أن افتتاح الموسم السياحي، يعتبر بالنسبة إلينا تحد كبير، يعبر عن الصمود، في وجه آلة القتل الإسرائيلية.
وقال إن ما يزيدنا عزيمة أن أهلنا المغتربين قد بدأت تباشير قدومهم إلى المنطقة وبحر صور، حيث استقبلنا في الأيام الماضية أعداداً منهم، وننتظر استقبال المزيد على هذا الشاطىء المفتوح على الأمل والحياة.

سيارة رابيد
عند مدخل مدرسة صور الرسمية الأولى، التي تأوي أكثر من مئتي “نازح”، وهي صفة، تزعج الذين تركوا بيوتهم وأرزاقهم قسراّ بسبب ضراوة الغارات الإسرائيلية، تحولت استراحة حسن حمود، على رصيف صغير، إلى ملتقى لشباب من بلدته بيت ليف، التي لم يبق إلا القليل القليل من أهلها فيها.

يؤكد حمود لـ”المدن”، أن فتح هذه الاستراحة، وهي عبارة عن سيارة رابيد، تحتوي معدات إعداد المشروبات الساخنة، هو تأكيد على المثابرة والعمل في أي مكان على أرض الجنوب التي لا تتجزأ، سواء كانت في بيت ليف أو مدينة صور، التي نلتحف بها. وقال: كان لدي استراحتان في بيت ليف، واليوم ما زلت أشعر كأنني في بلدتي، وأن عملي هنا والاعتماد على الذات، هو عمل مؤازر للمقاومة التي يزود شبابها عنا جميعاّ.

لم يقهر تدمير الطائرات الإسرائيلية، المؤسسة التي يملكها مصطفى عقيل عند مثلث طيرحرفا – الجبين، فإبن الجبين مصطفى عقيل، الذي كان يعتاش مع عائلته من مردود بيع المعجنات وخبز المرقوق، واصل من مكان خروجه القسري في منطقة البرج الشمالي، إعداد خبز المرقوق الذي تشتهر فيه القرى الحدودية.
يؤكد عقيل لـ”المدن”، أنه يتعاون مع أفراد العائلة في إعداد خبز المرقوق وبيعه، حتى يتمكن من اكتفاء عائلته من جهة، والتأكيد على التحدي وإرادة الحياة والصمود في وجه الاحتلال، الذي يسعى إلى سلخنا عن بلداتنا وعاداتنا وحبنا لأرضنا، وهذا ما لن يتحقق أبداّ.

Leave A Reply