كتبت “الأخبار”: بحسب أحدث أرقام منظمة “شراكة المعرفة العالمية بشأن الهجرة والتنمية” (Knomad)، بلغ حجم صافي التحويلات إلى لبنان نحو 31% من الناتج المحلي في 2023، أي ما قيمته 5 مليارات دولار. ونتج هذا الصافي من تحويلات وافدة إلى لبنان بقيمة 6.69 مليارات دولار مقابل تحويلات خارجة بقيمة 1.7 مليار دولار. وبحسب Knomad تمثّل التحويلات أكثر من 80% من إجمالي تدفقات الموارد الخارجية “ما يسلّط الضوء على أهمية تأثير المغتربين اللبنانيين على الاقتصاد الكلي للبلاد”.
تحت تأثير الأزمة الاقتصادية، أصبحت التحويلات تُشكّل مصدراً أساسياً للحركة الاقتصادية اللبنانية. بشكل عام، يعاني لبنان منذ بداية العقد الماضي من مشكلة العجز الثنائي، وهو العجز في الحساب الجاري والعجز في المالية العامّة. وهذا الأمر يجعل البلد بحاجة ماسّة إلى التدفّقات الرأسمالية، بما أنه يعاني من عجز في التدفقات الناتجة من الحركة التجارية. كان القطاع المصرفي يؤمّن حركة تدفقات رأسمالية عبر جذب الودائع بالعملات الأجنبية من الخارج، لكن هذا الأمر توقّف بعد بداية الحرب السورية في 2011، وهو ما أسهم في بدء العجز في الحساب الجاري، وفي نهاية الأمر انفجار الأزمة في عام 2019.
بشكل عام، يعتمد لبنان الآن على ثلاثة مصادر للتدفقات الرأسمالية؛ التحويلات، والاستثمار الأجنبي المباشر، والمساعدة الإنمائية الرسمية. وقد عانى لبنان منذ بداية الأزمة من انخفاض ضخم في حجم الاستثمار الأجنبي المباشر، إذ انخفض من نحو 2.6 مليار دولار في عام 2018 إلى نحو 50 مليون دولار فقط في عام 2023، بحسب أرقام Knomad. أما المساعدات الوافدة من الخارج، فقد أصبحت مقتصرة على المساعدات القادمة للنازحين السوريين، وبعض المساعدات الصغيرة لبرامج الغذاء والتعليم في لبنان، إذ لا يتخطّى مجمل هذه المساعدات 1.35 مليار دولار. لذا، أصبح المصدر الأساسي للتدفقات الرأسمالية هو تحويلات المغتربين، الذي أصبح يُشكّل نسبة وازنة من الاقتصاد، وهو ما يقوم عليه الآن.
هذا الواقع، بالتوازي مع انهيار القطاع المالي في لبنان، عزّز انتشار الاقتصاد النقدي، أو ما يُسمّى باقتصاد “الكاش” الذي سهّل توسّع الاقتصاد غير النظامي الذي أصبح يُشكّل نحو 60% من الاقتصاد. بذلك يتّضح دور الهجرة في تشكيل رأس المال الحقيقي في لبنان. صحيح أن الاقتصاد اللبناني كان يعتمد على هذه الهجرة سابقاً، إنما درجة الاعتماد عليها باتت أكبر اليوم، ولا سيما أنه في السابق كان المغتربون يرسلون أموالهم إلى لبنان حيث تودع في المصارف، بينما اليوم باتت هذه الأموال مموّلاً أساسياً للأسر وللانتظام والاستهلاك المستورد، أي إنها أصبحت تُشكّل عصب الاقتصاد اللبناني رغم أن قيمتها لم تزد مقارنة مع فترة ما قبل الأزمة، إلا أن المصادر الأخرى لرأس المال تبخّرت وبقيت التحويلات كمصدر وحيد.