محمد شقير – الشرق الاوسط
قال مصدر سياسي لبناني مواكب عن كثب للأجواء التي سادت الجولات الرابعة عشرة للمشاورات بين رئيس الجمهورية ميشال عون، والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة سعد الحريري، إن ترحيل تشكيلها إلى ما بعد انتهاء عطلة الأعياد لا يعني بالضرورة أن هناك إمكانية لتحقيق تقدم يدفع باتجاه تشكيل الحكومة. وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أن ترحيلها يمكن أن يطول، وربما إلى ما بعد تسلم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، زمام الرئاسة الأميركية في 20 (كانون الثاني) المقبل ما لم يقرر عون التعاطي بإيجابية مع التشكيلة الوزارية التي طرحها عليه الحريري.
وكشف المصدر السياسي أن الرئيس الحريري عاتب الرئيس عون في مستهل الجولة الأخيرة على خرقه للطلب منه بإشاعة أجواء إيجابية لدى انتهاء الجولة الثالثة عشرة، وذلك من خلال فريقه السياسي الذي أشاع أجواء سلبية من دون أي مبرر، وقال إن عون لم يعلق على ما قاله الحريري في معاتبته له.
ولفت المصدر نفسه إلى أنه يستغرب كيف أن عون شخصياً وأحياناً من خلال فريق السياسي الموجود في قصر بعبدا، الذي يدين بولائه المطلق لرئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، يصر على اعتماد وحدة المعايير وتطبيق مبدأ المداورة في توزيع الحقائب على الطوائف اللبنانية، رغم أنه بادر إلى خرقها، وهذا ما ظهر جلياً في الاقتراح المتكامل الذي عرضه على الحريري من دون أن يرفقه بذكر أسماء الوزراء المرشحين لتولي الوزارات.
وأكد أن عون لم يعترض في طرحه المتكامل على إسناد وزارة المالية، وكما ورد في التشكيلة التي عرضها عليه الحريري إلى وزير من الطائفة الشيعية، ولا على الحقائب الأخرى المخصصة لها، بينما أصر على حصر إعادة توزيع الحقائب بالطوائف المسيحية والطائفة السنية، ما يعني أنه ليس في وارد الدخول في اشتباك سياسي مع الشيعة قد يتسبب بإحراج حليفه «حزب الله» مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
ورأى المصدر أن الاقتراح المتكامل لعون حمل توزيعة للحقائب الوزارية على أساس الانتماءات السياسية للوزراء، وإن كان تجنب ذكر أسماء الوزراء الذين سيشغلونها، وقال إنه لحظ تمثيل القوى السياسية، باستثناء حزبي «القوات اللبنانية» و«الكتائب» و«التيار الوطني الحر»، وإن كان استعاض عن تمثيل الأخير بحصر الحصة الوزارية برئاسة الجمهورية، وهذا ما لقي رفضاً من الحريري لسببين: الأول يكمن في أن عون يريد الإطاحة بروحية المبادرة الفرنسية التي نصت على تشكيل حكومة مهمة من اختصاصيين مستقلين من غير المنتمين للأحزاب، والثاني يتعلق بإصراره على ضمان حصوله على الثلث الضامن أو «المعطل» في التشكيلة الوزارية رغبة منه في الالتفاف على ما تعهد به أمام البطريرك الماروني بشارة الراعي بعدم إعطاء الثلث لأي مكون سياسي.
وأكد المصدر أن عون يريد الاحتفاظ، وبالنيابة عن باسيل، بوزارات الدفاع والداخلية والعدل، وقال إنه طرح شخصية حزبية بامتياز لتولي الداخلية، فيما اعترض على تولي جو صدي حقيبة الطاقة بذريعة أنه محسوب على «القوات»، مع أن باريس تؤيد إسنادها له باعتبار أن من أولويات المبادرة الفرنسية إعادة تأهيل قطاع الكهرباء كبند أساسي في الورقة الإصلاحية التي تقدم بها الرئيس إيمانويل ماكرون، بعد أن تبين أن العجز في هذا القطاع بات يفوق الأربعين مليار دولار.
واعتبر المصدر أن امتناع عون عن تشاوره مع الحريري في التشكيلة الوزارية التي عرضها عليه يشكل مخالفة للأصول الدستورية، وإن كان يوقع بالاتفاق مع الرئيس المكلف على مرسوم إعلان ولادة الحكومة، وعزا السبب إلى أنه يضغط على الحريري للتسليم بشروطه، وهذا ما يشكل مصادرة لصلاحيات رئيس الحكومة. وأكد أن عون كان تقدم بلائحة ضمت أكثر من 20 اسماً لتولي الحقائب الوزارية، وأن الحريري وافق على اختيار أربعة منها، لأنهم من أصحاب الاختصاص من دون باقي الأسماء الذين بمعظمهم من المحازبين الذين اختارهم باسيل، ومن بينهم عمداء متقاعدون ومذيعة في قسم الأخبار في إحدى محطات التلفزة المحلية وفنان محسوب على «العهد القوي».
ونقل المصدر عن جهات مقربة من رؤساء الحكومة السابقين، أن عون لا يزال يتصرف كما كان أثناء توليه رئاسة الحكومة العسكرية (1988 – 1990)، وأن وريثه السياسي، أي باسيل، يسير على خطاه، وهذا ما يعطل إمكانية التعاون معه، خصوصاً أن احتفاظه بحقائب الداخلية والدفاع والعدل يؤشر إلى إصراره على الإمساك بها في مكافحته للفساد من جانب واحد من جهة، وفي إسكاته لمعارضيه وتهديدهم وهم كثر باستثناء حليفه «حزب الله».
وتوقف المصدر أمام إصرار البطريرك الراعي على رفع سقف مطالبته بتشكيل حكومة في أسرع وقت، وقال إن أي تأخير يأتي استجابة لطلب «حزب الله» الذي يريد ترحيلها إلى ما بعد بدء ولاية بايدن، ليكون بيد إيران واحدة من الأوراق للتفاوض فيها معه، وسأل: «كيف يمكن لعون القفز فوق موقف بكركي الذي ينظر إليه الحريري على أنه متقدم وضاغط، خصوصاً في ضوء الدعم الذي يلقاه من البابا فرنسيس الذي وجه رسالة للبنانيين تلاها الراعي بالنيابة عنه؟».