الجمعة, نوفمبر 22
Banner

كل يوم تأخير يعني استمرار تذويب الودائع وشطبها كليا

قصة الودائع كقصة (إبريق الزيت) لا نعرف كيف بدأت أو ربما نعرف و لا نعرف كيف ستنتهي، بعد خمس سنوات من الأزمة لا يبدو أن هناك أي حل لهذه المعضلة وكل ما يحصل لا يتعدى الحلول الترقيعية والمؤقتة، مراسيم من هنا وعود من هناك مع الإجماع أقله بالكلام على قدسية الودائع.

المسؤولون يدعون أنهم رفضوا ما طلبه صندوق النقد الدولي من شطب للودائع ولكن ليس كل ما يحكى صحيحاً، و لم نر على الأرض اي خطوة باتجاه حل قضية المودعين التي قد تكون مستعصية، لأنه حتى الآن لم يعترف أحد بالمسؤولية عن تبديد الودائع لا الدولة ولا مصرف لبنان ولا المصارف.

أسئلة مشروعة تراود أذهان المودعين هل تبخرت الودائع؟ أو هل هناك أمل في إعادتها؟ وكيف من الممكن أن يتم ذلك سيما أن حوالى ٢٠ مليار دولار من هذه الودائع تبدد على الدعم وعلى تسديد القروض على دولار ١٥٠٠ ليرة ؟ ومن المسؤول الأول عن تبديد الودائع وما هو المطلوب لاستردادها وحل أزمة المودعين؟

في هذا الإطار يؤكد الأمين العام المساعد لاتحاد أسواق المال العربية الدكتور فادي قانصو في حديث للديار أن السجال الدائر حالياً حول مسألة استرداد أموال المودعين “تضعنا فعلياً أمام معضلة عقيمة حتى الساعة، إذ ان كل ما يصدر اليوم عن الأطراف المعنية بعملية استرداد الوادائع لجهة رفضها التامّ لأي عملية شطب لودائع الناس هو حتى الساعة كلام شعبوي غير مبنيّ على حقائق ووقائع منطقية، وبخاصة أن طريقة التعامل مع الأزمة الراهنة منذ خمس سنوات لا توحي بأن هذه الأطراف تولي أي اهتمام جدّي لحقوق الناس وأموالهم، لا سيما في ظل الغياب الفاضح لأي حلول أو خطط من شأنها أن تعالج هذه المسألة المقدسة. لا بل على العكس فقد تمّ استنزاف ما تبقّى من أموال للمودعين من خلال المسّ بالاحتياطي الإلزامي لدى مصرف لبنان منذ نهاية العام 2019 لتمويل جيوب المهرّبين والمحتكرين بشكل خاص عن طريق عمليات الدعم المشبوهة”. ولفت قانصو إلى أن الخطط الحكومية المقترحة كانت قد ألمحت في مراحل سابقة إلى موضوع شطب الودائع أو تصنيفها ما دون الـ100 ألف دولار وما فوقها، أكان في خطة الرئيس حسان دياب أو حتى في خطة الرئيس ميقاتي التي كانت تنوي تحميل معظم الخسائر للقطاع المصرفي، “ما يعني المودعين بشكل مباشر، أولاً عبر شطب رأس مال المصارف بالكامل، وثانياً عبر شطب 60 مليار دولار من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية إزاء المصارف التجارية، وهذه الالتزامات ليست سوى توظيفات القطاع المصرفي لدى مصرف لبنان، أي ودائع اللبنانيين”.

ووفقاً لقانصو هكذا خطوة وإن حصلت فهي تشكل ضربة قاضية لما تبقّى من أنقاض للقطاع المصرفي وانعدام جدّي للثقة قد يمتدّ الى سنوات طويلة “هذا مع العلم بأن ودائع اللبنانيين قد تعرّضت فعلياً لعملية تذويب واقتطاع غير مباشر وممنهج منذ نهاية العام 2019، بمجرّد سحب الودائع وفق التعميم 151 على أساس سعر صرف بعيد عن السعر الحقيقي للدولار في السوق الموازية، وهو ما ساهم في تراجع الودائع والالتزامات بالدولار من 121 مليار دولار في نهاية العام 2019 إلى حدود 90 مليار دولار اليوم”.

ولكن يعتبر قانصو أن صدور التعميم 166 قد شكل خرقاً هاماً ومنعطفاً أساسياً على المستوى المالي في لبنان وتحديداً المصرفي، “إذ حاول نوعاً ما نسف مصطلحات مبتكرة فرّقت ما بين الدولار المصرفي أو ما يُعرف باللولار، والدولار الجديد ما بعد 17 تشرين الأول 2019 أو ما يُعرف بالفريش ،وبالتالي فإن إعطاء المودع مبلغ 150 دولارا فريش من حساباته التي حُوّلت من الليرة إلى الدولار بعد 17 تشرين الأول، وإن يعتبر زهيداً جداً ويستثني عددا كبيرا من المودعين، قد أعاد لودائع الناس أهليّتها وأحقيّتها، بعدما عملت المصارف طوال سنوات الأزمة على شطبها واعتبارها ودائع غير مؤهلة أو غير صالحة عبر إخضاعها لعملية اقتطاع أو هيركات ممنهجة”.

وبالتالي يقول قانصو إن هذه المبالغ الزهيدة التي تأتت بعد نقاشات طويلة بالإضافة إلى المماطلة في عملية استردادها توحي على ما يبدو بأن الودائع المصرفية قد تبخرت على الورق والقلم وبخاصة أن تمويل التعميمين 158 و166 جرى ويجري من خلال عمليات شراء دولارات “جديدة” من السوق.

ويؤكد قانصو أن أي عملية لاستعادة أموال المودعين اليوم لا يمكن أن تمرّ خارج القنوات الثلاث الاتية:

– أولاً، استعادة الأموال المنهوبة والمحوّلة إلى الخارج، ولكن في ظل غياب عناصر المحاسبة والمساءلة حتى الساعة، فإن هكذا حلّ لا يبنى عليه في الوقت الراهن.

– ثانياً، طرح إنشاء صندوق سيادي عبر استثمار أصول الدولة ومؤسساتها ومن ثم إعادة الودائع بشكل تدريجي من خلال إيرادات هذا الصندوق، هو إجراء يبنى عليه ولكن مفاعيله طويلة الأمد ويبقى حتى الساعة حبرا على ورق، وبخاصةً أن أصول الدولة ومؤسساتها في حالة يُرثى لها وغير صالحة للاستثمار في الوقت الحالي، إذ ان معظمها إما في حالة إفلاس أم في حالة تحلّل وهريان، كمؤسسة كهرباء لبنان المفلسة، أو قطاع الاتصالات الرازح تحت ضغوط تشغيلية جمّة، أو مطار بيروت المتهالك أو مرفأ بيروت المدمّر.

– ثالثاً، إعادة هيكلة القطاع المصرفي بأي ثمن والبدء بتطبيق مصطلح المصرف الجيّد والمصرف السيىء، عبر إنشاء وحدة خاصة داخل كل مصرف تقوم بتقييم وإدارة الموجودات السامة، وبالتالي يتمّ عزل هذه الموجودات السامة وغير السائلة أو التسليفات المشكوك في تحصيلها عن الموجودات الجيّدة، مع تفرّغ المصرف السيىء لتقييم وإدارة هذه الموجودات السامة أو الديون المتعثرة من جهة، وتركيز المصرف الجيّد على أنشطة الأعمال الأساسية كاستقطاب الودائع والتوظيف والتسليف من جهة أخرى، “وهي خطوة من شأنها أن تعزّز الشفافية وتسمح للمستثمرين بتقييم السلامة والمكانة المالية للمصرف”.

من هنا، يخشى قانصو أن تقوم السلطات المعنية باللجوء إلى الحلول السريعة وبأقلّ التكاليف الممكنة، والتي قد تتمثّل إما بشطب جزء من الودائع ما فوق سقف محدّد يكون رهن ما تبقّى من عملات صعبة داخل النظام المالي اللبناني، وطبعاً كل يوم تأخير يعني المزيد من التذويب والاستنزاف لما تبقى من ودائع وبالتالي المزيد من التخفيض لهذا السقف. أو اللجوء إلى استبدال الودائع بأسهم في مصارف مفلسة وذلك بذريعة ما توفّر من حلول مع ضرورة تقبّل الأمر الواقع. أو اللجوء إلى ليلرة الودائع بالدولار عبر تحويلها إلى الليرة اللبنانية وفق سعر صرف يتحدّد وفق الظروف الاقتصادية في حينه، وذلك بمعزل عن التداعيات الخطرة لهكذا إجراء على الواقع الاقتصادي والمالي والنقدي، وتحديداً على صعيد الكتلة النقدية بالليرة وعلى سعر الصرف بشكل خاص.

اميمة شمس الدين – الديار

Leave A Reply