لافتاً للغاية كان الكلام الذي أطلقه وزير الخارجيّة السّعوديّة فيصل بن فرحان آل سعود، يوم أمس، خلال مؤتمر المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجيّة الذي عقد في العاصمة الإسبانية مدريد، ليس فقط بما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي مضى عليه أكثر من 8 اشهر، ومصير العملية السياسية في المنطقة، إنّما في مواقفه حيال الأزمة اللبنانية التي كانت مفاجئة للبعض برغم أنّها واقعية.
ومع أنّ كلامه المتلعق بلبنان كان مختصراً وقليلاً إلا أنّه تضمّن الكثير من الدلائل والإشارات السياسية، ليس بما يتعلق بتعاطي المملكة سياسياً مع الأزمة اللبنانية إنّما أيضاّ في قراءتها لهذه الأزمة داخلياً، وارتباطها بالأحداث والتطوّرات الخارجية في المنطقة، لا سيما تلك الجارية في قطاع غزّة والضفّة الغربية.
ثلاث نقاط أساسية تناول فيها بن فرحان في كلمته الأزمة اللبنانية، هي التالية:
أولاً: تقاطع موقف الوزير السّعودي مع موقف حزب الله وحلفائه في محور المقاومة في لبنان والمنطقة حول أنّ إيقاف حرب الإسناد التي يقوم بها دعماً للمقاومة في قطاع غزة لن تتوقف قبل توقف العدوان الإسرائيلي هناك، وهو موقف جعل خصوم الحزب والمحور في الداخل والخارج يشنّون هجوماً واسعاً عليه، معتبرين أنّه بذلك يُورّط لبنان في حرب لا علاقة له بها، إلّا أنّ موقف الوزير السعودي لم يأتِ فقط متقاطعاً مع موقف الحزب وحلفائه إنّما صادماً لموقف الخصوم، وهم بالمناسبة من حلفاء السعودية، عندما لفت الوزير السعودي إلى أنّ “وقف إطلاق النّار في غزّة، قد يساعد على وقف توتّر الحدود بين إسرائيل ولبنان”.
ثانياً: تشارك الوزير السّعودي مع مواقف العديد من المسؤولين في المنطقة والعالم، خصوصاً المعنيين بالملف اللبناني، الذين يكادون لا يتوقفون يومياً عن إطلاق مواقف تعبّر عن مخاوفهم من اتساع رقعة العنف في المنطقة، وأن يقوم العدو الإسرائيلي بشنّ هجوم على لبنان على غرار عدوانه على قطاع غزّة، برغم إرباك في داخل كيان العدو خوفاً من تداعيات العدوان على لبنان داخله، إنطلاقاً من حسابات مقلقة ومعقدة تفيد أنّ العدو سيعاني كثيراً في لبنان، وبأنّ حربه على قطاع غزّة ستبدو “نزهة” قياساً على ما ينتظره في لبنان، ومن تداعيات ذلك العدوان على المنطقة ككل، وهو ما جعل الوزير السّعودي يقول بوضوح إنّنا “قلقون للغاية من خطر توسّع الحرب في لبنان”.
ثالثاً: رسم الوزير السّعودي موقفاً سوداوياً حيال مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي في المنطقة، ومصير الأزمة اللبنانية، عندما قال إنّنا “لا نرى أفقًا سياسيًّاً”، ما يعني باختصار، من جهة، أنّ المساعي السّياسية لإيقاف العدوان الاسرائيلي ما تزال تراوح مكانها في ضوء تعنّت العدو، وانشغال العالم بأزمات أخرى؛ ومن جهة أخرى أنّ حلّ الأزمة السّياسية في لبنان المتعلقة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية ليس متوافراً، بعدما وصلت الجهود والمساعي التي بذلت وتبذل في هذا السياق إلى حائط مسدود، وبأنّ المبادرات التي تطرح، في الداخل والخارج، لإنهاء الفراغ الرئاسي ليست سوى محاولات لملء الوقت الضائع.
عبدالكافي الصمد – سفير الشمال