السبت, أكتوبر 5

اقتصاد “الكاش” يثير مخاوف تعزيز عمليات تبييض الأموال!

اتهمت مجموعة «غافي» عام 20 حزيران/يونيو 2002 لبنان بأنه من الدول غير المتعاونة في مكافحة تبييض الأموال، وأنه لا يتخذ الإجراءات الكافية لمكافحة هذه الجريمة.

و»غافي» هي منظمة دولية مقرها باريس، أسست سنة 1989 وتعمل على سن المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح، كما تقوم بتقييم مدى التزام الدول بتلك المعايير، حيث تستهدف حماية النزاهة المالية على الصعيد الدولي.

ونظراً للمخاطر التي تثيرها عمليات غسل أو تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وباعتبار أن هذه المخاطر يمكن معالجتها بطريقة فعّالة، من خلال التعاون بين الدول، تم إنشاء مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أجل مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب «غافي».

ومنذ اتهام مجموعة «غافي» للبنان، اتخذت السلطات اللبنانية إجراءات واسعة لمكافحة جريمة تبييض الأموال، وكان للتعاون الذي بذلته وما زالت تبذله السلطات اللبنانية المعنية في مكافحة هذه الظاهرة، الأثر الكبير في رفع اسم لبنان عن لائحة الدول الـ15 غير المتعاونة في موضوع تبييض الأموال، بعد أن أصبحت تشريعاته وأنظمته متوافقة مع المعايير الدولية، لما تم إنجازه على الصعيدين القانوني والعملي.

ويقوم لبنان بتطبيق إجراءات الترخيص والتسجيل، واختبارات الأهلية والكفاءة بصورة مقبولة بهدف حذفه كليا عن اللائحة الرمادية أيضا، إلا أن مؤسسات مالية معنية رصدت عددا من الثغرات فيها، وتسعى السلطات اللبنانية إلى توفير وتلقي المساعدة القانونية المتبادلة في مجال مكافحة غسل الأموال والجرائم الأصلية وتمويل الإرهاب بصورة متفاوتة. كما تقوم الدولة من خلال سلطاتها المختصة بالتعاون غير الرسمي مع الجهات النظيرة من الدول الأخرى بأسلوب متفاوت في مجال مكافحة تمويل الإرهاب. أما في مجال مكافحة غسل الأموال والجرائم الأصلية، مثل الإتجار بالمخدرات، اعتبرت التقارير المالية المتداولة أن تعاون لبنان مع الدول الأخرى غير متناسب مع هيكل المخاطر.

وأشارت الكاتبة اللبنانية باسكال أبو نادر إلى أن إسم لبنان على لائحة الدول غير المتعاونة، كان سيؤثر سلباً بلا شك على الاستثمارات الأجنبية، ويعرضه لعقوبات لا قدرة له على تحملها، كإعاقة كل العمليات المالية مع دول العالم وتعريض سمعته دولياً، والحد من علاقاته الدولية في شتى الشؤون المالية وغير المالية، كالثقافية والاجتماعية والسياحية وخلافه.

لبنان في دائرة الخطر

لا شك أن العالم أجمع يمرّ بأزمة كبيرة أثّرت على البلدان كافة وعلى المفاصل الحيوية فيها وأدّت إلى التضخّم، وبالتالي إلى إرتفاع كبير في الأسعار. وهو ما انسحب على الاقتصاد عالميا ونقلت بعضها للاعتماد كثيرا على اقتصاد «الكاش» ومن المنتظر أن تصدر مجموعة العمل المالي «غافي» تقريرها السنوي في هذا الإطار، والخوف أن يتم تصنيف لبنان من ضمن القائمة الرماديّة، خصوصاً بعد اتهام حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة بالاختلاس وتبيض الأموال ولاعتماد لبنان على «الكاش».

لكن لبنان لا يزال في دائرة الخطر لناحية تخفيض تصنيفه مع مجموعة «غافي» وليس فقط بسبب قضية غسل الأموال بل أيضا لاعتماده بشكل كبير على اقتصاد «الكاش». وتشير مصادر مالية إلى أن «الأزمة المصرفيّة وفقدان الثقة بالقطاع المصرفي أثّرت بشكل كبير على التعاملات وأدّت إلى التوجّه أكثر نحو هذا النوع من التبادل، لا سيّما لدى التجار الّذين أصبح بامكانهم التهرّب من الضرائب بهذا الشكل» ولكن اللافت حسب المصادر أن «اقتصاد الكاش يعزّز عمليات غسل الأموال بشكل كبير».

ومن المتوقع أن تصدر مجموعة العمل المالي تقريرها في الأشهر القليلة المقبلة، فهل ينجح لبنان في تخطي مطبّ تصنيفه على اللائحة الرمادية؟

اعتبرت الخبيرة المالية اللبنانية تيريز منصور أن ظاهرة تبييض الأموال ليست حديثة، بل تعود إلى تاريخ ظهور الجريمة المالية، حيث كان المرتكبون يعمدون إلى استعمال الأموال الناتجة عن جرائمهم بشكل يخفي حقيقة مصدرها غير المشروع. ويعود أصل تسمية «تبييض الأموال» أو «غسل الأموال» إلى عصابات المافيا الأمريكية الشهيرة في الثلاثينات، حيث تمّ القبض على زعيم هذه العصابات آل كابون سنة 1931 بتهمة وحيدة هي التهرب من دفع الضرائب. وبعد ذلك توجهت عصابات المافيا إلى تأسيس وشراء مشاريع قانونية تستخدمها في إخفاء أموالها القذرة الناتجة عن العمليات الإجرامية، وكان أبرز تلك المشاريع محلات الغسل أو التبييض الآلية أو مؤسسات التنظيف. ومنذ ذلك الحين يُطلق على هذه العمليات «تبييض أو غسل الأموال».

يفتقر التشريع اللبناني إلى نصوص تتعلق بمكافحة الجرائم الناتجة عن تبييض الأموال، علماً بأن المجتمع الدولي يتجه أكثر فأكثر نحو توثيق التعاون بين الدول من أجل التصدي للجرائم المنظمة عبر الحدود.

من هذا المنطلق كان لا بد للبنان أن يتماشى مع هذا التطور في العلاقات الدولية وإصدار تشريع خاص بعمليات تبييض الأموال الناجمة عن الجرائم المذكورة إسوة بالعديد من الدول التي كانت في وضع قانوني مماثل. إن إصدار مثل هذا التشريع جنب التعقيدات التي سوف تواجهها المصارف والمؤسسات المالية العاملة لديه في علاقتها مع الخارج مع ما يترتب عليها من مخاطر تنعكس سلباً على القطاع المصرفي، وتحول دون تمكن لبنان من إيجاد مصادر للتمويل ومن تسويق الأسهم والسندات التي يصدرها في الأسواق المالية الدولية.

لكن القانون اللبناني لم يوسع مفهوم تبييض الأموال ليشمل كافة الجرائم التي ينتج عنها أموال غير مشروعة، وكذلك لم يقصر ذلك المفهوم على جرائم المخدرات فقط، بل شمل بالإضافة إلى هذه الجرائم الأخيرة الأفعال المعددة في المادة الأولى من قانون مكافحة تبييض الأموال رقم 318/2001 المعدلة بالقانون رقم 547/2003.

ويؤكد المتخصص بمكافحة تبييض الأموال بول مرقص في دراسة له، أن لبنان كان على اللائحة السوداء للدول غير المتعاونة في العام 2000 لكن إصدار قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب عام 2001 وانضمام لبنان إلى «مجموعة أغمونت» العالمية التي تقدّم الدعم في مكافحة تبييض الأموال، جعله ريادياً في مكافحة تبييض الأموال.

لكن تفلت القطاع المصرفي نحو التعامل النقدي «الكاش» وعدم إجراء الإصلاحات المالية والنقدية المطلوبة أعاد الوضع في لبنان إلى الوراء، الأمر الذي دفع منظمة العمل المالي «غافي» والتي تصدر تقارير بشكل دوري إلى إمكانية إدراج لبنان على «اللائحة الرمادية».

عبد معروف  -القدس العربي

Leave A Reply