في المشهد الصيفي الراهن في لبنان، أدلة كثيرة على سياحة ناشطة، لكن من دون أدلة سياحيين. مأساة تستأهل الحديث عنها، مادام أن قطاعا بأمه وأبيه أصابته نكبة، فكانت صدمة وخيبة بين أهله، وهذا نموذج.
قبل نحو سنة وأكثر، اطمأنت نانسي الخوري إلى أن أجندة عملها كدليلة سياحية في لبنان قد امتلأت وفاضت بالمواعيد حتى سبتمبر المقبل، إلى حد الاعتذار عن عدم قبول المزيد.
نانسي خريجة الجامعة اليسوعية في التنظيم السياحي والثقافي، وخضعت لدورة في وزارة السياحة اللبنانية لاعتمادها دليلة سياحية قانونية تحمل البطاقة الرسمية، ومضى 25 عاما على عملها في هذا القطاع.
كان كل شيء ينبئ بأفضل ما يرام منذ الصيف الماضي المزدهر، وكان حالها حال الأدلة السياحيين في لبنان جميعهم «الطايرين» المنتظرين صيف 2024 الواعد، إلى أن وقعت حرب غزة و«طارت» معها مواعيد العمل المزدحمة، وحل فراغ ما بعده فراغ طالما أن الأدلة السياحيين في لبنان جمعيهم في بطالة منذ تسعة أشهر.
في حديث إلى «الأنباء»، روت نانسي معاناتها ومعاناة مثلائها ممن وجدوا أنفسهم من دون عمل منذ السابع من أكتوبر 2023، تاريخ بدء حرب غزة وفتح لبنان جبهة الإسناد من جنوبه (في الثامن منه).
تقول نانسي: «كان عملنا في أوجه وفجأة توقف كل شيء وألغيت كل رحلات السفر السياحية التي كانت ستقوم بها مجموعات من السياح الأجانب إلى لبنان، علما أن عملي وبحكم إتقاني اللغة الإسبانية يتركز على السياح الإسبان والمكسيكيين والأرجنتينيين الذين يحتاجون إلى دليل يرافقهم ويوجههم ويشرح لهم بلغتهم. بينما اللبناني والسائح العربي «مش عايزينا»، إلا في حالات محدودة جدا، كما حدث قبل أسبوع حيث كان هناك زفاف وكان يريد أحد المدعوين من الأجانب زيارة المتحف الوطني لساعتين، فيما أراد آخر ملء أربع ساعات من الفراغ فتمت الاستعانة بي.
ما عدا ذلك، انا بلا عمل وزملائي في المهنة يحاولون شغل الوقت بالاهتمام بالزراعة أو بإعطاء دروس في اللغة الإسبانية. غير ذلك ماذا نستطيع ان نفعل؟».
بالمأساة تصف نانسي الواقع الحالي للأدلة السياحيين في لبنان، الذين ينتظرون وقف العمليات العسكرية في غزة والجنوب علهم يتنفسون من جديد ويعودون من الغيبوبة، «شرط أن يضيء الإعلام الغربي على ذلك ويتحدث عن عودة الاستقرار، لأن السائح الأجنبي يصدق ما يقوله الإعلام».
وبالحديث عن السائح الأجنبي وأكثر ما ينشده في زيارته للبنان، قالت نانسي: «السياح أذواق، بعضهم يبحث عن التاريخ والحضارة والثقافة، فتقوده هي إلى بعلبك وجبيل وصور وصيدا ويكون الذهول واقع حاله، والبعض الآخر يحب الطبيعة فتختار له الشمال أو الشوف في جبل لبنان، وفي طريق عودته قد يكون الجو ماطرا هناك، فإذا بالنهار ينتهي بمنظر بديع لغروب الشمس على البحر ساحلا. وفي الموازاة، هناك أيضا من يحب سياحة الطعام، فيقع على اللقمة الطيبة في بلد معروف بمطبخه الشهي».
وتؤكد نانسي إجماع السياح الأجانب على القول إنهم وبالرغم من ترحالهم الكثير حول العالم، لم يقعوا على ما يماثل عظمة بعلبك وطبيعة مغارة جعيتا وانحدارات وادي قاديشا وشاطئ صور وقلعة صيدا البحرية وغيرها وغيرها من المعالم الآسرة، لكنهم يضيفون إن البلد جميل لكنه مهمل وتشوبه الفوضى في الطرقات والأرصفة وإشارات السير.
وتضيف إن مهمتها هي محاولة التغطية أو التعويض عن هذه الثغرات، «لأن الدليل السياحي هو صورة البلد وواجهته وبمنزلة سفير له ولكن في داخله، وبالتالي إما أن يحبب السائح بالبلد فيغادره سعيدا ممتنا ومصمما على العودة ثانية، وإما أن يدفعه إلى عدم التفكير بتكرار التجربة».
وفي الانتظار القاتل للعودة عن البطالة القسرية، تتصفح نانسي الصور والذكريات وتقول مع فيروز وزوار لبنان من الأجانب: «سنرجع يوما».
بولين فاضل – الانباء الكويتية