الإثنين, نوفمبر 25
Banner

ملف A2P: إخبار أمام النيابة العامة بحق القرم و”إنموبيلز”

عندما فضحت “المدن” بتاريخ 20 حزيران الماضي “قصة صفقة A2P عبر تاتش… والتلاعب بشروط المزايدة” توقفت عند الشبهات التي غلفّت تلزيم خدمة الرسائل النصية المرسلة عبر التطبيقات A2P لشركة “INMOBILES” غير المؤهلة، والتباين المفضوح في عرضها المالي المقدم لشركة MIC2 أو تاتش، مع العرض الذي قدمته VOX SOLUTIONS لـ MIC1 أو ألفا، وما تبع ذلك من محاولات للإلتفاف على توصيات وقرارات هيئة الشراء العام وديوان المحاسبة عبر الإيحاء بتعديلات جرت في سعر الـSMS المحدد، لتطرح السؤال عما إذا كنا أمام نموذج آخر من التجربة التي اختبرناها لتفشيل تلزيم “قطاع البريد” وإبقاء القديم على قدمه.

أسئلة وشكوك

السؤال حينها انطلق من سلسلة مؤشرات لا تعكس النيّة الحسنة لتصحيح “واقع مريب” نتج عن صفقة تاتش مع INMOBILES، ووثقّته شركة تاتش نفسها بخبرتها مع الشركة التي وصفتها أمام ديوان المحاسبة بسيئة جداً. غير أن ما يعزز الشبهات حول الإستمرار بنوايا التنصل من قرارات الهيئات الرقابية اليوم، هو التأجيل المتكرر لإعادة تلزيم الخدمة التي أطلقتها تاتش عبر موقع هيئة الشراء العام منذ 16 أيار الماضي، بحيث رحّل موعد فض العروض مرة تلو أخرى، أربع مرات حتى الآن، من 11 حزيران الماضي الى 5 آب المقبل، والحبل على ما يبدو على الجرار.

هذه الشكوك وسواها، لا بد أنها شكّلت دافعاً كافياً لإبقاء الملف مفتوحاً لدى ديوان المحاسبة، الذي توجهت غرفته الثانية برئاسة القاضي عبد الرضى ناصر في تاريخ 24 تموز الجاري، أي يوم أمس، بمذكرة الى وزير الاتصالات جوني القرم، طالبته من خلالها بإظهار مدى إلتزام الوزارة بقرار الديوان الصادر عن الغرفة الثانية في شهر كانون الثاني من العام الجاري. ومنحته عشرين يوماً ليجيب على أسئلتها التالية:

هل حصّلت تاتش من INMOBILES الفارق الناتج عن تعديل سعر الـSMS؟ وفي حال الايجاب ما هي قيمة المبلغ الذي تم استيفاؤه بالفعل، مع إبراز المستندات المثبتة لذلك. وعند عدم الإستيفاء، طلب الديوان تبيان أسباب ذلك، وما هي التدابير التي اتخذت لضمان الاستيفاء.

قرار ديوان المحاسبة

وكان قرار الديوان في شهر كانون الثاني الماضي، والذي جاء متناغما مع توصيات هيئة الشراء العام، قد أصر على ضرورة تعديل العقد الموقع مع INMOBILES بمفعول رجعي يسري اعتباراً من تاريخ نفاذه، لإعتماد السعر الإفرادي ذاته لـSMS والحد الأدنى السنوي نفسه لعدد الرسائل النصية المعتمدة في العقد الموقع من قبل شركة ألفا بعدما كشف هدراً بملايين الدولارات من الأموال العامة.

وفي حين كرر وزير الاتصالات بمعرض دفاعه عن الصفقة التي اعتبرها من افضل إنجازاته، أنه قام بتعديل هذا السعر ليتناسب مع السعر الذي رست فيه تقديم الخدمة على شركة VOX SOLUTIONS المتعاقدة مع ألفا، أظهرت الوقائع التي أوردها الديوان في مذكرته الأخيرة للقرم نقلاً عن مدير عام تاتش سالم عيتاني، أن INMOBILES لم تكن متجاوبة لا مع تعديل العقد ولا مع تسديد فروقات الأسعار. لا بل كشف عيتاني للديوان عن رد تلقاه من INMOBILES بتاريخ 13 أيار الماضي تستنكر من خلاله الشركة تلقيها الفواتير التي أرسلت عبر البريد الإلكتروني، وترفض تسديد الزيادة المطلوبة مستندة الى أحكام العقد الموقع.

وبالعودة الى الوقائع التي أوردها عيتاني في كتابه الى الديوان، فإنه أرفقها أيضاً مع خريطة طريق قال أنه أرسلها الى وزارة الاتصالات لإنهاء عقد INMOBILES، مؤكداً على استعداد تاتش لاتخاذ كل الإجراءات القانونية المتاحة لمطالبتها بتسديد كافة الالتزامات المالية المترتبة عليها، وبتجديد “الكفالة” التي انتهت صلاحيتها منذ تاريخ 31 آذار 2024.

وهذا ما يوصلنا الى السؤال الثاني الذي طرحه الديوان بمذكرته الى القرم، والذي يطلب إيضاحاً حول تجديد كتاب الضمان المصرفي، وما هي أسباب عدم حصول ذلك إذا كانت الإجابة سلبية.

أما السؤال الأخير الذي طرحه الديوان بمذكرته للقرم، فقد أظهر متابعته لتفاصيل دفتر شروط المزايدة لإعادة تلزيم الخدمة، وما تضمنته من محاولة إلتفاف على شرط من شروط سنوات الخبرة المؤهلة، عبر تخفيض تلك المتعلقة بخدمات ال SMS الدولية من خمس سنوات الى ثلاث. وهذا بالإضافة الى إدراج الحد الأدنى من خدمات رسائل الـSMS المطلوب تقديمها من ضمن الشروط القاتلة، الأمر الذي اعتبر “نافراً” وفقاً لقراءات خبيرة، لأن عدد الرسائل وسعرها المطروح يندرج في إطار العروض المالية التي تفتح بعد اجتياز مرحلة التأهيل، بينما إدراجها من ضمن الشروط القاتلة لا يكون سوى لتهشيل الشركات الراغبة بعقدها. وفي هذا السياق يمكن فهم طلب الديوان من القرم في مذكرته “إبراز السند القانوني الذي ارتكزت اليه الوزارة للطلب من العارضين إدخال العرض المالي ضمن شروط تأهيل الشركات التي تنوي الإشتراك في المزايدة”.

وكشف الديوان في سؤاله الأخير عن إصراره على إتمام عملية التلزيم الجديدة من ضمن المهل المتاحة، مطالباً القرم بـ”تحديد المراحل التي قطعتها المزايدة الجديدة للخدمة، وما هو التاريخ المتوقع لانجازها بالكامل”.

وهذا ما يعيدنا الى أربعة كتب تأجيل لمواعيد فض العروض نشرت حتى الآن على موقع هيئة الشراء العام، ثلاثة منها جاءت متطابقة لجهة تعليل الأسباب بإفساح المجال أمام العارضين المحتملين، والرد على إستفساراتهم، بينما لم يرد الحديث عن تعديل في دفتر الشروط الا بكتاب التأجيل الأول، حيث كانت “المدن” قد أشارت الى إحدى هذه التعديلات الأساسية المتعلقة بالحد الأدنى لسعر الـSMS الذي كان مدرجاً أيضاً من ضمن الشروط القاتلة خلافًا للأصول.

تواطؤ الوزارة

لم تكشف تاتش في كتبها الأربعة عن الأسباب الفعلية لهذا التأجيل المتكرر، إلا أنه وفقاً لمعلومات “المدن” فإن إتمام المزايدة معلق على موافقة وزير الاتصالات على تعديلات إضافية أدخلتها شركة تاتش على دفتر شروط المزايدة بناء لتوصية هيئة الشراء العام، حيث عادت الشركة عن إدراج الحد الأدنى للرسائل المطلوب تقديمها والسعر الأدنى لل SMS الموزع من ضمن الشروط القاتلة، ووضعتهما في مكانهما الطبيعي من ضمن الشروط المالية.

إلا أن وزير الاتصالات لا يبدو مستعجلاً لإنهاء العقد مع INMOBILES رغم كل الملاحظات التي أوردتها شركة تاتش نفسها على أدائها. وهو ما يشكل محاباة مستمرة مع الشركة، التي التفت الوزارة على كل الأصول في تلزيمها الخدمة.

وبحسب المعلومات، فإن صراعاً خفياً يدور بين وزارة الاتصالات وشركة تاتش على خلفية هذا الملف، كشفته محاولة مدير عام تاتش الإلتفاف على قرار ديوان المحاسبة الصادر في كانون الثاني الماضي، من خلال السعي لإنهاء عقد INMOBILES في شهر تموز الجاري، لتلزيم الخدمة الى أكثر من مشغل وفقاً لخريطة الطريق التي قدمها لديوان المحاسبة. ولما كان إلغاء الحصرية الطريق الأسهل الى المحاصصة ذكرت المعلومات أن كل من هيئة الرقابة وديوان المحاسبة تصدتا لهذه المحاولة وأصرتا على استيفاء كامل حقوق الدولة من الشركة المشغلة حالياً للخدمة، بموازاة إطلاق عملية تلزيم تراعي مبدأي الشفافية وتكافؤ الفرص بين العارضين.

وفي هذا السياق أيضاً يمكن إدراج التحذير الذي وجهه ديوان المحاسبة في مذكرته الى القرم من أن “كل تأخير في تحصيل ما هو متوجب في ذمة INMOBILES يرتب فوائد قانونية يتحمله من يتسبب به شخصياً، مع سائر التبعات القانونية، ويشكل في حال ثبوته مخالفة مالية يعاقب مرتكبها أمام ديوان المحاسبة، لأنها تقع تحت مسمى “ارتكب خطأ أو تقصيراً أو إهمالاً من شأنه إيقاع ضرراً مادياً بالأموال العمومية او بالأموال المودعة في الخزينة.”

هل انتهت القصة هنا؟

بالطبع لم تنته القصة. فثمة فصل جديد سيفتح قريباً، ومقدمته إخبار أمام النيابة العامة التمييزية تقدم به اليوم الخميس النائب ياسين ياسين مع جمعية ريفورم، بحق كل من وزير الاتصالات، شركة INMOBILES، شركة تاتش وكل من يظهره التحقيق متورطاً باستغلال وظيفي وسوء استغلال للسلطة في هذا الملف. وللحديث تتمة…

لوسي بارسخيان – المدن

Leave A Reply