حسم موقف النائبين السابقين وليد جنبلاط وطلال إرسلان أيّ جدال بشأن موقف الشارع الدرزي من حادثة مجدل شمس، ما يساهم إلى حدّ كبير في قطع الطريق على محاولات الاستثمار الفتنوي في الحادثة، ويطيح بكل تشويش يعكس رغبات وأفكاراً غير مبررة وغير مفهومة الأبعاد. وقد جاءت مواقف جنبلاط المعلنة واتصالاته مع المرجعيات الدرزية في لبنان وخارجه، في سياق رفض زرع الفوضى في مناطق الدروز، ومحاولات العدو الإسرائيلي وجهات أخرى إقحامهم في مشروع العدو.وشكل موقف جنبلاط الأخير أكبر دليل على خطر المأزق الذي بلغته مساعي العدو. فليس تفصيلاً أن يأخذ زعيم المختارة على عاتقه مقاربة هجوم مجدل شمس بهذا المستوى من المسؤولية في القراءة السياسية للمشروع الذي يُحاك للمنطقة، ومحاولة العدو الإسرائيلي استغلال الحرب الدائرة لتحويل الدروز في الجولان المحتل وفلسطين المحتلة الى حرس لحلف الأقليات الذي تقوده إسرائيل.
فاجأ موقف جنبلاط الجميع، وأزعج إلى حدّ كبير من كان يراهن على موقف مغاير باعتبار أن حسابات الرجل تتصل أولاً بزعامته وببيته الدرزي، ثم تأتي باقي الحسابات، اللبنانية والعربية والدولية، ليتبيّن مجدداً أنه عندما تتعلق الأمور بفلسطين والعدوّ الإسرائيلي، فلا مكان لأيّ حسابات مهما كانت. وفي أول كلام له، شدّد جنبلاط على «ضرورة التنبّه لما يعمل عليه الاحتلال الإسرائيلي من أجل إشعال الفتن»، وحذّر في ضوء بيان حزب الله الذي نفى أيّ علاقة للمقاومة بالهجوم من «أيّ انزلاق أو تحريض في سياق مشروع العدو التدميري الذي يعمل على إشعال الفتن وتفتيت المنطقة». وأكد جنبلاط «أننا اسقطنا المشروع الإسرائيلي سابقاً، ونحن له بالمرصاد إلى جانب المقاومة وكل المقاومين». أما إرسلان فرأى أن «ما حدث في مجدل شمس ما هو إلا محاولة خسيسة وفاشلة من الجيش الإسرائيلي لسلخ الجولان عن طبيعته الجغرافية وامتداداته العائلية». وشدّد على أنّ «الجولان المحتل كان ولا يزال يرفض التواطؤ على هويته السورية العربية، وهو عمق مقاومتنا وجزء لا يتجزأ من الأراضي المحتلة التي لن تعود إلى كنفها الطبيعي إلا بالصمود والمقاومة».
وفي حديث إلى قناة «الجزيرة» أمس، قال جنبلاط: «ما من أحد يعطي دروساً لمجدل شمس»، مشدداً على أن «الادعاء الإسرائيلي بأن المقاومة أطلقت الصاروخ على مجدل شمس هو كذب». ولفت الى أن «إسرائيل تهاجم وتقتل وتدمّر في كل لحظة في لبنان، وحان الوقت لأن تفهم أنها لن تستطيع القضاء على روح المقاومة»، وشدّد على أن «مجدل شمس عربية وأغلب سكانها رفضوا الجنسية الإسرائيلية». وأكد جنبلاط «أننا نعوّل على جهود الرئيس نبيه بري في التوصل مع المبعوث الأميركي عاموس هوكشتين إلى وقف إطلاق نار جدي في جنوب لبنان»، مضيفاً أن «حزب الله مقاومة لبنانية وجزء من لبنان (…) ويحترم قواعد الاشتباك في العمليات التي ينفذها ويردّ عندما تخرقها إسرائيل».
وكان جنبلاط قد تلقى اتصالاً هاتفياً من هوكشتين، الذي أعرب عن قلقه من تطورات الوضع على جبهة جنوب لبنان في ضوء حادثة مجدل شمس. وعلمت «الأخبار» أن جنبلاط أكد للبمعوث الأميركي أن الحرب ليست في مصلحة أحد، وأشار إلى أن «لا فرق بين الشهداء في جنوب لبنان والجولان وفلسطين الذين يسقطون جراء هذا العدوان”.
أهمية الموقف الذي أطلقه جنبلاط وإرسلان تكمن في توقيت الحادثة التي أتت في وقت تستعر فيه المواجهة مع إسرائيل ومن يدعمون مشروعها، وعبّرت عنها أخيراً الرسائل المتبادلة بين جنبلاط وشيخ عقل الدروز في فلسطين المحتلة موفق طريف بعد استقبال الأخير رئيس وزراء العدو بنيامين نتيناهو.
ومنذ بداية الحرب، دعا جنبلاط الدروز إلى رفض التجنيد الإلزامي والتمسّك بالهوية والانتماء والانفتاح على العرب والفلسطينيين ورفض السياسات الإسرائيلية وسياسة الاستيطان، ولم يترك مناسبة إلا واستغلها للتأكيد على وحدة الموقف الدرزي، آخرها لقاء المصالحة بين عائلتَي العريضي وملاعب في بيصور قبل أسبوعين. وفي إطار الكلام التهدوي نفسه، وجّه أمس المرجع الروحي لطائفة الموحدين المسلمين الدروز الشيخ أبو يوسف أمين الصايغ، كلمة مصوّرة لأهالي الجولان العربي السوري المحتل، داعياً الدروز إلى التنبّه لمحاولات «زرع الشتات» و«سلخهم عن محيطهم»، وإلى «ألّا يسمحوا لأصحاب الفتن باستغلال هذا الجرح».
(الأخبار)