ما كادت تمرّ دقائق معدودة على الحادثة التي شهدتها بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، نتيجة سقوط وانفجار صاروخ في ملعب أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، حتى خيّم الوجوم على مختلف الأوساط في لبنان، بعدما اتهم إعلام العدو الإسرائيلي حزب الله والمقاومة في لبنان بالوقوف وراء الصاروخ الذي زعم إعلام العدو أنّه جرى إطلاقه من أطراف بلدة شبعا في الجنوب.
ومع أنّ حزب الله سارع إلى النفي من باب تأكيد المؤكّد بأنّه لم يستهدف المدنيين في الكيان المحتل منذ بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان بعد 7 تشرين الأوّل الماضي، وحرصه على إصدار بيانات عقب كلّ عملية يقوم بها ويتبناها ويوضح فيها المراكز العسكرية المستهدفة من جهة العدو، فإنّ إعلام العدو وحلفائه في المنطقة والعالم أبوا إلا أن يسوقوا رواية غير صحيحة وإلقاء التهمة على الحزب من أجل تبرير أي عدوان ينوي جيش الكيان القيام به ضد لبنان، والضرب على وتر عصبيات طائفية ومذهبية لإظهار أنّ حزب الله يستهدف من خلال إستهدافه مجدل شمس طائفة بعينها.
ولا يُخفى أنّ قلقاً واسعاً ساد المنطقة والعالم، ودفع مراقبين إلى تأكيد أنّ المنطقة بعد الحادثة قد دخلت في أتون حرب شاملة لا أحد يعرف متى ستنتهي وكيف، ولا ما هي تداعياتها المنتظرة التي ستكون كبيرة وخطيرة بلا شكّ، حتى أنّ بعض إعلام العدو إندفع ليرسم سيناريوات الحرب المقبلة على لبنان، وتوقيتها، ومكانها.
لكن لم تكد تمرّ ساعات بعد ذلك حتى تراجع الحديث عن خطر نشوب حرب شاملة واتساع رقعة الحرب في المنطقة، ولو نسبياً، بعدما بدأ بعض إعلام الكيان والأهالي في مجدل شمس يتحدثون، نقلاً عن شهود عيان، من أنّ الصاروخ الذي سقط في البلدة هو أحد صواريخ القبّة الحديدية الإسرائيلية التي انطلقت لتعترض مسيّرات المقاومة التي أُطلقت باتجاه الأراضي المحتلة، أيّ أنّ الصاروخ إسرائيلي، ما لجم إلى حدّ ما إندفاع الكيان في رفع سقف خطابه وتهديداته للمقاومة، قبل أن يُترجم ذلك على أرض الواقع عندما قام أهالي ضحايا مجدل شمس بطرد وزير الدفاع الإسرائيلي ونواب في الكنيست حضروا ليشاركوا في الجنازة، وسط إتهامات لهم بأنّهم “قتلة ومجرمين”، وأنّه غير مرغوب حضورهم الجنازة ومشاركتهم في العزاء.
موقف أهالي مجدل شمس لم ينزع فتيل أزمة طائفية مقيتة كان العدو يعمل على النّفخ فيها، وتأجيجها، إنّما أثبت تمسّك أهالي الجولان المحتل ككل بهويتهم العربية وانتمائهم إلى سوريا، ورفضهم الإندفاع وراء فتن يعمل الكيان المحتل على نشرها، وواكب هذا الموقف لأهالي مجدل شمس مواقف قيادات الدروز في لبنان عبّر عنها النائب السابق وليد جنبلاط الذي حذّر من “محاولات العدو الإسرائيلي إشعال الفتن وتفتيت المنطقة”، مؤكّداً أنّ “استهداف المدنيين مرفوض ومدان في فلسطين والجولان المحتل وجنوب لبنان”؛ والنائب السابق طلال إرسلان الذي قال إنّ “الجولان لن يقع في فخّ مشروع إسرائيل، للتظاهر بحماية الأقليات التي لا تبتغي منه إلا تفتيت المنطقة إلى دويلات تحمي حدوده المزوّرة”.
وإذا كانت مثل هذه المواقف حصّنت الداخل اللبناني، فإنّها في المقابل، إلى جانب تطوّرات أخرى مواكبة، شكّلت مفترق طرق في اتجاهين: الأوّل نحو حرب شاملة يسعى وراءها العدو برغم إدراكه مخاطرها الوجودية عليه؛ والثاني نحو تسوية تضع حدّاً لأطول حرب في قطاع غزّة والجنوب (إقتربت من شهرها العاشر) شهدها الشرق الأوسط منذ بدء الصراع العربي ـ الإسرائيلي؟
عبدالكافي الصمد – سفير الشمال