يعيش لبنان حالة حبس أنفاس لا مثيل لها، وسط قلق ومخاوف تعتري غالبية اللبنانيين. فقد تأزم كثيرا الوضع الذي كان سائداً قبل الصاروخ الذي استهدف ملعب كرة القدم في بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، الأمر الذي خلّف تداعيات جمّة على ساحتنا الداخلية.
تكثر التساؤلات في ضوء المشهد المستجد: لماذا تهوّل إسرائيل وتقول إنها ستعيد لبنان إلى العصر الحجري وستقصف المنشآت الحيوية؟ هل صحيح أن الرد لن يكون خجولاً، إنما ليس مباشرا، لأن أي عملية لم تحصل بعد، بل ثمة مواقف وتصريحات فقط واجتماع للحكومة الإسرائيلية ومجلس الحرب وسوى ذلك من تدابير؟
أوساط الخارجية اللبنانية وأجواء المحيطين بوزير الخارجية عبد الله بو حبيب تؤكد لـ”النهار” أن الوزير بو حبيب أجرى اتصالات هي الأبرز، على أكثر من صعيد، وبمعنى آخر كانت له كثافة اتصالات غير مسبوقة مع المعنيين لتدارك الوضع وتلافي الحرب، خصوصاً أن الساحة اللبنانية لا تتحمل عواقبها في ظل ما يعانيه البلد من أزمات. وقيل للوزير بو حبيب من أكثر من ديبلوماسي غربي وعربي وإقليمي، إن إسرائيل سترد ولكن لن يكون هناك حرب شاملة، فقرار الرد متخذ في مجلس الحرب الإسرائيلي ويرجح أنه سيكون خارج ما يتوقعه البعض في بيروت والضواحي وسواها، والمفاجأة واردة.
ويقول السفير اللبناني السابق في واشنطن أنطوان شديد لـــ”النهار”: “ثمّة اتصالات تقوم بها الولايات المتحدة الأميركية من أجل عدم توسيع نطاق الرد الإسرائيلي وضمان محدودية الضربة التي ستلجأ إليها، على غرار ما حصل في الضربات السابقة، وتحديداً تلك التي قامت بها إيران”. وبمعنى أوضح، يضيف شديد، “احتواء الوضع وعدم تفاقمه هو السيناريو المرجّح، وهذه هي المعطيات والأجواء المتوافرة، وبناء عليه، فإسرائيل لن تقوم بالرد مباشرة إلا بعد دراسة الوضع من كل جوانبه، ومن الطبيعي أن هناك قرارا أميركيا كما سبق أن أشرت باحتواء الوضع، لأن الولايات المتحدة لا تريد الحرب، ولا ننسى أن هناك انتخابات رئاسية، وأميركا تريد المحافظة على علاقاتها، أكان مع إسرائيل أم العرب، وبناء على هذا المعطى، واشنطن تستعمل دائما عبارة الاحتواء، كي لا تتفاقم الأمور، ولكن تبقى كل الاحتمالات واردة من خلال أي خطأ تكتيكي من هذا الطرف وذاك، وعندها تخرج الأوضاع عن السيطرة. ولكن راهناً، ثمة مساع ديبلوماسية واسعة، وفي المقابل إسرائيل أيضاً لم تلجأ إلى الحرب لأن التوازن العسكري تبدل عما كان بعد تعاظم قوة حزب الله. وعلى هذه الخلفية، لا أحد يريد توسيع الحرب، وسنترقب وننتظر الأيام القليلة المقبلة ليُبنى على الشيء مقتضاه”.
في موازاة ذلك، يؤكد اللواء المتقاعد عبد الرحمن شحيتلي لـــ”النهار” أن “لجم إسرائيل عن قيامها مباشرة بعمل عسكري كبير ضد لبنان هو قرار أميركي، لأن معطياتي ومعلوماتي تجزم بأن الصاروخ الذي سقط في الجولان غير مقصود، وحزب الله ليس من ثقافته أن يضرب المدنيين ويقصف أماكن مأهولة، وهذه مسألة واضحة ومحسومة، وبالتالي لا ننسى أن هناك حربا في المنطقة وصواريخ في الجو، واحتمال بنسبة عشرة في المئة أن يسقط أي صاروخ بالخطأ. ما جرى لا يجوز أن يتهم به حزب الله، لأنه لا يستهدف المدنيين والأطفال والعزّل، لذلك الولايات المتحدة الأميركية أخذت هذا المعطى في الحسبان، وما من قرار أميركي بحرب شاملة أو إعطاء إسرائيل الضوء الأخضر لتدمير لبنان”.
ويضيف شحيتلي: “ستحصل عمليات ضمن حدود معينة. ثمة قرار في هذا الإطار من مجلس الحرب الإسرائيلي بعد عودة نتنياهو إلى إسرائيل. وفي رأيي أن ثلاثة قرارات برزت للمفاضلة: أولاً لا رد، ثانياً رد متوقع لا يؤدي إلى الحرب، ثالثاً الذهاب إلى الحرب، ولكن أعتقد أن القرار الذي اتخذ هو الثاني، أي ردّ موجع لا يؤدي إلى حرب، وهو ما قد يحصل ربما خلال الساعات أو الأيام المقبلة، لأن ما جرى خطأ بالتقدير، وإسرائيل تسعى إلى حفظ ماء وجهها من خلال قيامها بعمليات عسكرية في لبنان، ربما تكون قصف منشآت مدنية حيوية، وبالتالي ليس باستطاعتها أن تغزو لبنان وتقوم بحرب شاملة، فهي حتى الآن تعمل في غزة من خلال مخابراتها وتأجيل أي عمل عسكري آخر إلى حين الانتهاء من غزة، بعد أن تكون انتهت على الصعيد المخابراتي من مواكبة ما يجري في فلسطين وقطاع غزة، ربما حينها نصل إلى الحلول الديبلوماسية”.
ويخلص إلى القول إن “الرد متوقع بنسبة 90%، وفي اعتقادي سيكون على طريقة الرد الإيراني على إسرائيل لحفظ ماء الوجه ليس إلا”.
وجدي العريضي – النهار