حبس الأنفاس الذي يعيشه اللبنانيون منذ وقوع حادثة مجدل شمس في الجولان، أعاد إلى التداول من جديد إشكالية المعايير المزدوجة، التي يعتمدها المجتمع الدولي، وخاصة واشنطن وحلفائها الغربيين، والتي تصنف الناس إستنسابياً، ووفق مصالحها الخاصة، ودون الأخذ بعين الإعتبار لأدنى مبادئ العدالة والمساواة بين بني البشر، بغض النظر عن الجنس واللون والعرق.
كل العزاء لعائلات ضحايا الملعب في مجدل شمس، وكل الرحمة للأطفال واليافعين الذي سقطوا غدراً وعدواناً، وكل التمنيات للجرحى بالشفاء العاجل والعودة إلى أهاليهم ومنازلهم سالمين.
ولكن ماذا يقول العالم لأهالي أربعين ألف إنساناً، معظمهم من النساء والأطفال إستشهدوا في غزة؟
لماذا تصمت عواصم القرار على إصابة أكثر من مئة ألف جريح ، وعلى إستمرار المجازر يومياً ضد المدنيين العُزَّل في غزة؟
إذا كان يحق للدولة العبرية أن تدافع عن نفسها، لأنها تعرضت لهجوم سقط فيه ألف قتيل وجريح في عملية طوفان الأقصى، التي إستمرت بضعة ساعات، أليس من حق الشعب الفلسطيني، الذي يتعرض لأبشع حرب أبادة عرفتها البشرية منذ القرون الوسطى، والمستمرة بلا هوادة منذ تسعة أشهر، أن يدافع عن نفسه، بل ويطالب بضمانات لقيام دولته المستقلة على ما تبقَّى من أرضه المسلوبة ظلماً وعدواناً؟
لماذا يحق لليهود القادمين من القارات الخمس أن يستوطنوا أرض فلسطين، بعد طرد أهلها التاريخيين من قرإهم، وتهديم منازلهم، ومصادرة حرياتهم الشخصية والفكرية والإجتماعية، والتعدي على أماكن مقدساتهم الدينية، دون رادع أو حسيب؟
ماذا بقي من مبادئ حقوق الإنسان، وقوانين الحرب الإنسانية، وشعارات الحرية والديموقراطية، وحقوق الشعوب بتقرير مصيرها والحصول على إستقلالية بلدانها، التي إنتشرت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وقادها رئيس أميركا التاريخي دوايت آيزنهاور؟
بئس هذا العصر الذي تطغى فيه معايير الغاب، وتحتل القوة مكان الحق، وتجتاح أطماع التسلط قواعد العدالة، ويصبح العالم كله أسير الصراعات المتصادمة، والشعوب ضحايا العنف المفرط من قبل الدول المتسلطة على مقدرات هذا الكون.
صلاح سلام – اللواء