جاء في صحيفة الديار : بعيداً عن أزمة تشكيل الحكومة العتيدة، والتي رُحِّلت الى ما بعد الأعياد كما أشارت الديار سابقاً، يلوح في الأفق القريب أزمة قديمة جديدة عانى منها اللبنانيون كما العالم أجمع وهي تطورات وباء “كورونا”، حيث سجل عداد الاصابات في الايام الماضية رقم قياسي بلغ الـ 2700 اصابة في اليوم الواحد. وفي ظل سياسة فاشلة للحكومة في ادارة الأزمة والتي لم تأخذ بعين الاعتبار الانذارات من الخبراء في القطاعين الخاص والعام بضرورة الحفاظ على التدابير القاسية خلال فترة الاعياد (كما فعلت معظم الدول) بدل التراخي والسماح للأمور بان تتفلت، يقترب لبنان وبسرعة فائقة من سيناريوهات كارثية على الصعيد الصحي، خاصةً بعد تمنع الحكومة عن اقفال الخطوط الجوية مع المملكة المتحدة حيث ظهر فيها مؤخراً فيروس “كورونا” متحولاً يتمتع بصفة انتشار اسرع من سابقه بنسبة 70%، والذي حط رحاله في لبنان هذا الاسبوع كما أكد وزير الصحة الدكتور حمد حسن.
كذلك، السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا تأخرت الحكومة ووزارة الصحة في استقدام اللقاحات المضادة لفيروس “كورونا”، ولماذا الانتظار حتى نهاية شهر شباط 2021؟ قد يكون الجواب ان شركة فايزر لن تسلم لبنان قبل شباط المقبل، وان الشركات الأخرى المصنعة للقاحات “كورونا” كـ “موديرنا” حصلت على الموافقة مؤخراً. ولكن السؤال الذي يجب ان تجاوب عليه الحكومة اللبنانية، هو لماذا لم تتواصل مع الحكومة الصينية لاستقدام اللقاح الذي طورته شركة “سينوفاك بيوتك” أو شركة “سينوفارم” والذين اثبتوا نجاحهم حول العالم وفي دول مجاورة للبنان، وعلى سبيل المثال الامارات العربية وتركيا؟ ومن يتحمل مسؤولية الوفيات المرتقبة من الآن حتى شهر آذار المقبل والتي قد تبلغ حد ال 1800 ضحية في الثلاثة أشهر الآتية اذا استمر معدل الوفيات بين 15 و20 وفاة يومياً؟
اللقاح الصيني : الارقام تثبت نجاحه
أعلنت منذ ايام السلطات الصحية التركية عن ان تجارب اللقاح الصيني للوقاية من فيروس “كورونا” في تركيا اظهرت ان فاعلية اللقاح بلغت الـ 91.25%، كما اكدت تركيا على شراء 50 مليون جرعة من لقاح شركة “سينوفاك” الصينية بحلول 11 كانون الاول الفائت، غير ان التسليم تأخر ومن المتوقع ان تقوم السلطات التركية بتطعيم 9 ملايين فرد كأول دفعة.
بالتوازي، أعلنت الامارات العربية في العاشر من كانون الأول عبر بيان وزعته وزارة الصحة الاماراتية عن تسجيل لقاح الوقاية من “كورونا” المطور من قبل شركة “سينوفارم” المملوكة من الحكومة الصينية فعاليته بنسبة 86%، كما أكد البيان ان اللقاح لم يظهر اي عوارض خطيرة على الذين تلقوه وانه يدخل ضمن معايير السلامة العالمية. هذا وكانت الامارات العربية وافقت في أيلول الفائت على الاستعمال الطارئ للقاح للطواقم الطبية، كما تلقى أكثر من 100 ألف فرد في الامارات اللقاح بشكل طوعي.
هذا من جهة الفعالية، أما من الناحية اللوجستية، فلا يحتاج اللقاح الصيني الى درجات حرارة جد منخفضة، اذ يبرد على درجتين مئويتين تحت الصفر، اي في برادات عادية على عكس اللقاحات الاخرى التي تحتاج الى 70 درجة مئوية تحت الصفر في حالة “فايزر”، و20 درجة مئوية تحت الصفر في حالة “موديرنا”، ما يعني ان تكلفة حملات التلقيح وتشييد المراكز الطبية وانجاز تدابير التبريد سوف تكون متدنية للقاح الصيني بالمقارنة مع اللقاحات الأخرى.
من يتحمل مسؤولية الاهمال وعدم استقدام اللقاح الصيني؟
في ظل هذه المعطيات، نعود الى الواقع اللبناني لنسأل، ماذا فعلت الدولة اللبنانية لتحمي مواطنيها من وباء كورونا؟ وهل فعلت كل ما بوسعها؟ ولماذا لم يتواصل لبنان مع الشركات الصينية او مع الحكومة الصينية لاستقدام اللقاح؟
كذلك، لماذا لم يتقدم لبنان بعرض للشركات المصنعة للقاحات لاجراء تجارب اللقاح على الافراد في لبنان طوعياً كما فعلت فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة والامارات العربية وتركيا؟ اذ ان الدول المستضيفة للتجارب لديها الحق بالحصول على اللقاح باكراً اضافة الى التكنولوجيا الخاصة بانتاج اللقاح، ما كان سيضمن للبنان الحصول على اللقاح قبل نهاية العام كحال الامارات العربية وتركيا والمملكة المتحدة.
من المتوقع أن يصل لقاح “فايزر” للوقاية من “كورونا” بين منتصف وأواخر شهر شباط القادم، وبما أن اللقاح يعطي فعاليته بعد تلقي الفرد جرعتين تفصل بينهما مدة 28 يوماً، ما يجعل الشعب اللبناني دون أي حماية حتى أواخر شهر آذار على الاقل، هذا اذا لم يحصل تأخير في تسليم اللقاح للبنان.
اذاً لبنان دون حماية حتى أواخر آذار، ومع ارتفاع الاصابات بكورونا، والتوقع بارتفاعها بنسبة 30% نتيجة الاختلاط بين الناس في فترة الاعياد، سوف يسجل لبنان من الان حتى آذار 2021 اقله 1800 وفاة، هذا اذا لم ترتفع الوفيات نتيجة ارتفاع الاصابات وعدم قدرة المستشفيات على استقبال الحالات المحتاجة الى رعاية صحية خاصة. وتأكيداً على خطورة الوضع الصحي، قال مدير مستشفى الرئيس الشهيد رفيق الحريري الدكتور فراس أبيض ” ستكون الأسابيع القادمة صعبة للغاية بالنسبة للطاقم الطبي والتمريضي في مستشفى الحريري الجامعي وفي كل المستشفيات”، وأضاف “سوف يرهقون جسدياً وعقلياً وعاطفياً”.
الوقت لم ينفذ بعد للتصحيح !
رغم الصورة السوداوية، لا يزال بامكان الحكومة اللبنانية التواصل مع الصين وبحث امكانية استقدام اللقاح الصيني باسرع وقت، كما بامكان الحكومة التواصل مع الدول العربية التي استقدمت كمية لقاحات تفوق عدد سكانها كالمملكة العربية السعودية للحصول على شحنة سريعة من اللقاحات بدل الانتظار لشهر آذار، وبذلك تكون الحكومة اللبنانية أنقذت مئات المواطنين من الهلاك.