كان واضحاً أن ما قامت به إسرائيل من اغتيالات، هو محاولة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لاستدراج قوى المحور إلى الحرب، وجرّ الولايات المتحدة الأميركية بإدارتها الديموقراطية إلى توفير الدعم لا بل المشاركة في جبه أي ردّ إيراني على اغتيال اسماعيل هنية في قلب طهران. فإسرائيل بتصعيدها الذي اتخذ من صاروخ مجدل شمس، ذريعة، اغتالت القيادي العسكري الأول في “حزب الله” فؤاد شكر، في معقله، بما يعني كسر كل الخطوط الحمر، لا بل كسر ما يستند إليه الحزب من “توازن ردع”، وتكريس معادلة جديدة في حربها بالمنطقة.
أسقطت إسرائيل كل ما اشتغلت عليه الولايات المتحدة الأميركية عبر مقترح جو بايدن لوقف النار في غزة، وهي تحسم باختيارها الحرب في مواجهة “وحدة الجبهات”، لا بل أنها نجحت في سحب الأميركيين المنشغلين بالانتخابات إلى تغطيتها بإدخال بوارجهم إلى مياه المتوسط والتأكيد لإسرائيل مساندتها في مواجهة أي استهداف لها، ودعمها سياسياً وعسكرياً، واستخبارياً وفي الميدان.
فرضت العمليات الإسرائيلية معادلة جديدة على مختلف الساحات، تضع محور الممانعة بقيادة إيران أمام تحدٍ جديد سيكون ملزماً عليه الردّ بقوة، ما قد يؤدي وفق السيناريوهات المطروحة إلى توسّع دائرة الردود والردود المضادة ويعيد تكرار تدخل أميركا ودول أخرى في التصدي للصواريخ والمسيّرات الإيرانية التي قد تطلق على إسرائيل. ويمكن استنتاج أن الضربات المنتظرة إيرانياً ستكون مختلفة عن السابق، وقد تؤدي إلى توسيع المواجهات. وما يشير إلى أن المنطقة أمام وضع خطير، الحركة الديبلوماسية الدولية المتسارعة لوقف التصعيد، وفي المقابل الإجراءات التي تتخذها الدول في ما يتعلق برعاياها وأيضاً في ما يتعلق بالملاحة والغاء رحلات طائراتها.
كل الدول تنتظر ما سيحدث خلال الأيام المقبلة من تصعيد ومواجهات، خصوصاً بعد فشل الإدارة الأميركية في إبرام صفقة الهدنة في غزة ، حيث أصبح الكلام للميدان خصوصاً في جنوب لبنان إذ يتحضر “حزب الله” لتنسيق الردّ ضد إسرائيل، ويضع لبنان في الواجهة، وهو أبلغ أنه ليس في وارد البحث مع الوسطاء أي تهدئة أو تفاوض، إن كان في حرب إسناد غزة أو في ما يتعلق بالردّ المتوقع على اغتيال شكر.
يتبيّن أن التصعيد الإسرائيلي الأخير قد أسقط كل إمكانية للتفاوض. وهذا الأمر يندرج في خطة نتنياهو بتمديد الحرب في غزة واللعب على الوقت في ما يتعلق بالإدارة الأميركية. وينقل مصدر ديبلوماسي مطلع عن أجواء تعامل نتنياهو مع إدارة بايدن، قائلاً أنه رغم الكلام المرتفع السقف للرئيس الأميركي خلال اتصاله الأخير مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، إلا أن نتنياهو أصرّ على اعتبار أن عملياته هي في صلب متطلبات إسرائيل. ورغم ذلك تستمر واشنطن بتقديم الدعم لإسرائيل وخوض معركتها ايضاً، حتى وإن كان نتنياهو غير مكترث للإدارة الحالية ويركز علاقته مع الجمهوريين، فيكتفي بالتنسيق مع المؤسسات الأمنية والعسكرية الأميركية من دون تشاور مسبق حول العمليات الكبرى.
أمام هذه الوقائع تدخل المنطقة في مرحلة مختلفة، وهي على أبواب حرب إقليمية، لا أحد يعلم كيفية اندلاعها أو توقفها ولا حتى مداها. ويفيد المصدر الديبلوماسي أن إيران تستعد لردّ كبير مع حلفائها، قد يكون منسقاً من مختلف الجبهات أو مركباً من ساحات عدة بتوقيت مختلف، فيما سيكون رد “حزب الله” منفصلاً كون جبهة الجنوب تتصدر المساندة لغزة.
وفق المعلومات التي ينقلها المصدر الديبلوماسي، سيكون الردّ الإيراني أقوى من السابق، أولاً لتأكيد الردع، لكنه لن يصل إلى حدود إشعال حرب إقليمية كبرى. والمرجح وفق ما يتم عرضه من سيناريوهات، إطلاق مسيّرات وأعداد من الصواريخ الثقيلة وبينها صواريخ دقيقة باتجاه الوسط الإسرائيلي خصوصاً تل أبيب ومحيطها وتستهدف أيضاً مقرات عسكرية وقواعد. وهذا الرد سيعتبر موازياً لحجم الضربات في الضاحية وطهران. وإذا بقي ضمن هذه الحدود ولا يستهدف مرافق أساسية وحقول الغاز، فلن يؤدي إلى حرب إقليمية. لكن المهم بالنسبة لطهران أن يكون الرد نوعياً، وإذا قررت إسرائيل توسيع الحرب عندها، فيمكن اللجوء إلى عمليات أوسع باستهدافات أكبر.
على جبهة الجنوب، يُصرّ “حزب الله” على تنفيذ ردّ منفصل، لكنه يتماهى مع الردّ الإيراني والجبهات الأخرى. سيكون الردّ وفق ما حددّه الأمين العام حسن نصرالله يوازي حجم الضربة الإسرائيلية على الضاحية، لكن هدفه هو إعادة إرساء ما يسميه توازن الردع. فيما عدم الردّ سيشكل خسارة لاستراتيجيته في المساندة. فهو لا يستطيع تجاوز الضربة، بعدما راهن على أن إسرائيل لا تستطيع كسر الخطوط الحمراء وضرب معقله، لذا يعمل على أن يكون ردّه لتكريس قواعد الاشتباك.
الردّ الإيراني بات محسوماً لكن العمل على المستوى الدولي يتركز على محاولة وضع ضوابط للتصعيد كي لا تنجرف الأمور إلى حرب شاملة في المنطقة. وعلى هذا تستمر قنوات الاتصال الخلفية بين الأميركيين والإيرانيين لمنع اندلاع مواجهة واسعة، على الرغم من أن واشنطن أبلغت أنها ستدافع عن إسرائيل عبر تصديها للصواريخ الإيرانية وأن توسيع تدخلها يرتبط بحجم الردّ خصوصاً إذا أُعلنت حرب مفتوحة على مختلف الجبهات.
أسئلة كثيرة تُطرح عما ستؤول إليه أوضاع المنطقة خلال الأيام المقبلة، بعدما كسر نتنياهو كل الخطوط، واستدرج الجميع إلى حربه، بما فيهم أميركا، وبات محور المقاومة كله مشغولاً بالردّ لاستعادة التوازن… وعلى هذا، لا كلام آخر إلا للحرب، ولا حسابات الآن للصفقات والتسويات، وهذا هو الخطر الذي ينذر بفتح المنطقة أمام عواصف عاتية.
ابراهيم حيدر – النهار