كتبت صحيفة “الجمهورية”: توشك المنطقة أن تفلت من أيدي الجميع وتسقط في آتون حرب لا يعرف إلى أيّ مدى ستتدحرج نارها، وايّ تداعيات ستتركها في ساحات المواجهة.
الشعور العام، ذعر حقيقي مخيّم على امتداد المنطقة وصولا الى لبنان؛ التهديدات في ذروتها، الاستنفارات والاستعدادات في حدها الاقصى؛ اسرائيل في حال تأهب غير مسبوق على كل مستوياتها، تحسبا للردّ الايراني على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” على اراضيها، الذي يؤكد الاعلام الاسرائيلي أن هذا الرد اضافة الى ردّ “حزب الله” أمر لا مفرّ منه.
ايران لم تستجب لمحاولات ثنيها عن الردّ على اغتيال هنية، وتواصل توجيه الرسائل في كلّ اتجاه تتوعّد فيها إسرائيل بردّ قاس ومؤلم بات قريبا، وتشاركها التهديد جبهة اليمن. والولايات المتحدة الاميركية تؤكد التزامها بالدفاع عن اسرائيل، وأنشأت تحالفا من فرنسا وبريطانيا وبعض دول المنطقة لمواجهة الرد الايراني. وفي الوقت نفسه تحذر في مخاطر وصعوبات الحرب الواسعة.
مخاوف فوق العادة
وأمّا جيهة جنوب لبنان، فإن الوقائع الحربية التي شهدتها في الساعات الاخيرة، أوحت بأنّها بدأت في تدرّج متسارع إلى مواجهات بوتيرة أعلى وأقسى واوسع بين “حزب الله” والجيش الاسرائيلي. توازيه ما تبدو أنّها مخاوف فوق العادة من الحرب تعمّ الداخل اللبناني، تزيد من تورّمه لغة احتواء التصعيد المعطّلة بالكامل. وغزارة التهديدات المتبادلة، والدعوات المتسارعة من سفارات الدول لرعاياها بمغادرة لبنان فورا، ربطا بتهديد “حزب الله” بالردّ على اغتيال أحد اكبر قيادالته فؤاد شكر. وكذلك السيناريوهات الكارثية التي التقى العالم كله على التحذير منها، والمبالغات والتهويلات التي تبثها أصوات الشؤم تارة بضرب مواعيد لبدء الحرب، وتارة اخرى بالضخ المتواصل لمقولة أنّ الخطى في المنطقة تتسارع نحو فتح ابواب الجحيم والسقوط في حرب الدمار الشامل.
الحزب، لم يزدْ على ما قاله أمينه العام السيّد حسن نصرالله بأنّ الردّ حتمي على اغتيال القيادي شكر، ولكن في موازاة الصّمت الذي يعتصم به حيال رده وزمانه ومكانه، لوحظ أنه بدأ يعتمّد التوسيع التدريجي لعملياته وهجوماته المتتالية على مواقع الجيش الاسرائيلي والمستوطنات القريبة من الحدود، بإدخال مستوطنات جديدة في دائرة استهدافاته كمستوطنة بيت هلل. يضاف الى ذلك اعتماده تكتيكا جديدا، تجلّى في ساعة متقدمة من فجر الاحد – الاثنين بهجوم جوي مكثّف بمسيرات انقضاضية على مقر قيادة الفرقة 91 في ثكنة إيليت، ردّاً على الإعتداءات والإغتيالات التي نفذها الجيش الاسرائيلي في بلدات البازورية ودير سريان وحولا.
مجالات .. ومديات واسعة
عمليا، بات العالم كله مضبوطا على إيقاع تطورات المنطقة، وسط مخاوف متزايدة من أن تنحى التوتّرات القائمة الى مجالات واسعة ومديات غير متوقعة، فواشنطن تتوقع أن يبدأ انتقام ايران و”حزب الله” خلال 24 او 48 ساعة، وفق ما توقع وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن، كما أنها تأخذ قول المرشد الإيراني علي خامنئي بأنّ ايران ستنتقم، على محمل الجد على ما قال منسق الشؤون الاستراتيجية لمجلس الامن القومي في البيت الابيض جون كيربي. وارسلت قائد لواء المركز في الجيش الاميركي الى اسرائيل لعرض الاستعدادات للرد الايراني المحتمل، بالتزامن مع ما كشفه الاعلام الاميركي عن موافقة واشنطن على ارسال شحنة قنابل للطيران الحرب الاسرائيلي زنة الواحدة منها نصف طن.
وعلى الخط الموازي، أعلن أمس، عن وصول وفد روسي رفيع المستوى برئاسة أمين مجلس الامن القومي الروسي سيرغي شويغو الى طهران. بالتزامن مع تقارير نشرها الاعلام الاسرائيلي عن “فتح جسر جوي روسي ينقل معدات عسكرية مجهولة الى ايران”.
باب الديبلوماسية مفتوح
وعلى الرغم مما هو ظاهر من تحضيرات للحرب واستعدادات لمواجهة الرد الايراني فإن باب الديبلوماسيّة لم يغلق بشكل نهائي بعد، على ما يؤكّد مصدر ديبلوماسي غربي لـ”الجمهورية”، حيث كشف عن جهود متسارعة من اتجاهات دوليّة متعدّدة في اتجاه اسرائيل وطهران، وكذلك في اتجاه لبنان لتضييق احتمالات الحرب.
ولا يقلّل الديبلوماسي الغربي عينه “من حجم الصعوبات التي تعترض مسار الوساطات، وتعزز احتمال المواجهات الواسعة. ولكن مع ذلك اعتقد أن الابواب غير مقفلة، وفرصة تجنّب مغامرة الحرب المدمّرة ما زالت ممكنة، وخصوصا اذا ما قدّر اطراف الصراع فعلا، حجم ما قد تتسبب به الحرب من تداعيات واضرار ونتائج وخيمة شاملة على دولهم، وربما على كلّ دول المنطقة.
وضمن هذا السياق، يؤكّد المصدر عينه “أنّ الولايات المتحدة ما زالت تضع في اولوياتها تجنيب المنطقة اندلاع حرب واسعة، وعبر عن ذلك الوزير بلينكن بدعوته كل الاطراف لكي تتخذ خطوات لتهدئة التوترات وتجنب التصعيد. وفي هذا السبيل تلعب دورا خلفيا دافعا ومشجعا للوساطات الرامية الى التخفيف من وطأة الرد الايراني على اسرائيل، حيث انّها ليست بعيدة عن زيارة وزير الخارجية الأردنية الى طهران، التي يبدو انها لم تكن موفقة”.
رد ضمن القوانين
وتأكد فشل زيارة الوزير الاردني، مما اكده الإعلام الاميركي بأنّ “ايران رفضت دعوات اميركية وعربية لتخفيف ردها على اغتيال اسماعيل هنية في طهران”. وكذلك من اعلان ايران على لسان اكثر من مستوى فيها تصميمها على ردّ، وصفه قائد الحرس الثوري، بـ”القوي والقاصم”. الا انّ اللافت للانتباه في هذا السياق ما اعلنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية بأنّ “ايران لا تسعى الى زيادة التوتر في المنطقة، وقد وظفت جهودها الديبلوماسية لوقف الحرب. وأما ردّها فسيكون في اطار القوانين والأعراف الدوليّة”. وهذا الموقف جدّد التأكيد عليه القائم باعمال وزير الخارجية الإيراني علي باقري كنّي خلال لقائه السّفراء الأجانب الموجودين في طهران أمس.
واشنطن الحرب ليست حتمية
وتزامنا مع هذه الاجواء، برز موقف اميركي لافت، عبرت عنه وزارة الخارجية الاميركية، حيث اشارت الى ان وزير الخارجية انتوني بلينكن تحدث إلى رئيس الوزراء وزير خارجية قطر ووزير خارجية مصر بشأن التوتر في الشرق الأوسط. وابلغ نظراءه أن العالم يمر بلحظة حرجة في الشرق الأوسط ومن المهم خفض التصعيد.
واشارت الى “اننا نواصل العمل للتوصل إلى وقف إطلاق النار بغزة باعتباره خطوة حاسمة لتهدئة توترات أوسع نطاقا. وقالت :إن على الأطراف أن تبحث عن سبل إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة لا عن أسباب التأخير أو الرفض”.
وقالت الوزارة “إننا أرسلنا عبر أصدقائنا رسالة لإيران بأننا سندافع عن إسرائيل وأن التصعيد لا يخدم مصلحتها”. وخلصت الى التأكيد بأنها لا تعتقد أن الحرب الشاملة أمر حتمي ونواصل العمل لمنع حدوثها. ولا تعتقد انه تم تقويض إطار الاتفاق بشأن غزة لكن لا تزال هناك حاجة لتجاوز الخلافات”.
الرد بالجملة او المفرّق؟
وعلى صعيد الاتصالات ايضا، كشف مصدر رسمي رفيع لـ”الجمهورية” ان حركة الاتصالات الخارجية متواصلة بوتيرة مرتفعة تجاه لبنان، وتوالت بصورة مكثفة منذ العدوان الاسرائيلي على الضاحية الجنوبية واغتيال القيادي الكبير في “حزب الله” فؤاد شكر.
واستغرب المصدر ما وصفها الحماسة الفائقة التي يبديها الخارج، وقال: لم يبقَ احد الا وتكلم معنا، عندما نٌضرَب نحن هم يسكتون، وعندما تُضرب اسرائيل او يشعرون بأنها ستُضرب يسارعون الى طلب التهدئة، كما هو حالهم اليوم، حيث يدعون الى ضبط النفس، ويشددون على التهدئة ليس من اجل لبنان وخوفا على لبنان، بل من اجل اسرائيل التي يتعاملون معها وكأنها الولاية الاميركية الـ51″.
ولفت المصدر الى ان هذه الاتصالات اكدت المؤكد بالنسبة الينا، حيث انهم جميعا ومن دون استثناء احد من المتصلين يتشاركون في مسألة وحيدة وهي حقّ اسرائيل في الدفاع عن نفسها. ومع ذلك يطلبون منا أن نماشيهم في ما يطلبونه منا”.
وقدم المصدر عينة مما يتم تداوله في هذه الاتصالات، وقال: هم على قناعة بأن الرد او الردود على اسرائيل ستحصل، ولذلك اول ما يقولونه هو التحذير من مخاطر هذه الردود، ثم يريدون منا ان نقول لهم إن كان الرد على اسرائيل سيكون بالجملة او المفرق. ويركزون على السؤال كيف سيرد “حزب الله” على اغتيال الشهيد شكر، ومتى سيحصل هذا الردّ. وبعضهم يتمنى لو يتم ضبط هذا الرد بحيث لا يتسبب بتصعيد الامور الى مواجهة واسعة. كما انهم يسألون عما اذا كان ردا الحزب منفردا، او ردا مشتركا مع ايران ومتزامنا مع ردها على اغتيال اسماعيل هنية؟
وقال: من جهتنا اكدنا موقفنا المبدئي بأننا لا نريد الحرب ولا نسعى اليها، و”حزب الله” لم يحد منذ اليوم الأول عن التزامه بقواعد الاشتباك، فيما اسرائيل باعتداءاتها واغتيالاتها تدفع الامور الى تصعيد اكبر، واما بالنسبة الى الردّ عليها من قبل “حزب الله”، فهذا الامر متروك للميدان كما قال السيد حسن نصرالله”.
بري: للوحدة الداخلية
الى ذلك، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري، ردا على سؤال لـ”الجمهورية”: ان الظرف الحالي حساس ودقيق، يستوجب القدر الاعلى من الوحدة بين اللبنانيين لتحصين البلد في وجه ما يتهدده من مخاطر اسرائيلية.
وردا على سؤال أكد بري على حق “حزب الله” في الرد على العدوان الاسرائيلي، مكرّرا التأكيد على أنّ المقاومة التزمت قواعد الاشتباك منذ البداية، ولم تحد عنها، فيما اسرائيل تتعمّد خرقها باستهداف المدنيين وعمق المناطق اللبنانية.
وكان بري قد أكد في وقت سابق على الالتزام الكلي بالقرار 1701 وتطبيقه بكلّ مندرجاته، مؤكدا انّه أمام اي عدوان اسرائيلي على لبنان سنكون كحركة “أمل” و”حزب الله” بالمرصاد، وفي الصفوف الأمامية لمواجهته”.
يشار الى ان بري عقد اجتماعا مطولاً السبت الماضي مع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، تمحور فيه البحث حول التطورات الاخيرة، والاتصالات الدولية التي تكثفت في أعقاب جريمتي الاغتيال التي ارتكبتهما اسرائيل في شكر في الضاحية وهنية في طهران. الى جانب الخطوات التي يتوجب اتخاذها من قبل الحكومة التي ينبغي ان تستفر كل اجهزتها للتصدي للمرحلة الحالية، والتخفيف ما أمكن من اعباء على اللبنانيين، يمكن أن تنشأ جراء أي عمل عدواني اسرائيل ضد لبنان.
الميدان العسكري
ميدانيا، نار المواجهات ظلت على وتيرة عالية من الاشتعال في الساعات الاخيرة، تكثفت خلالها الاعتداءات الاسرائيلية على معظم المناطق اللبنانية المحاذية لخط الحدود من الناقورة الى جبل الشيخ، وتزامنت مع طلعات جوية معادية في الاجواء اللبنانية وصولا الى العاصمة بيروت حيث خرق الطيران الحربي جدار الصوت، وقالت ذلك، سلسلة عمليات نفذها “حزب الله” ضد العديد من مواقع الجيش الاسرائيلي.
وترافقت هذه المواجهات مع تهديدات اسرائيلية مكثفة بالقيام بخطوات عدوانية استباقية سواء ضد لبنان او ايران، برزت فيها دعوة وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت قادة القوات الجوية الاسرائيلية الى الاستعداد لكل الاحتمالات بما في ذلك الانتقال السريع الى الهجوم”.
وتتزامن هذه التهديدات مع واقع اسرائيلي مربك باعتراف الاعلام الاسرائيلي، حيث عكست صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية ان الاصوات في اسرائيل بدأت ترتفع ضد نتنياهو، وقالت: وسط حالة الذعر المتزايدة يقود نتنياهو اسرائيل نحو مستقبل مظلم.
واشار الاعلام الاسرائيلي الى انه “في ذروة الانتظار لرد فعل إيران و”حزب الله” والمنظمات الموالية عقب الاغتيالات الأخيرة، فإن الوحدات الاحتياطية في عموم البلاد وخاصة في الشمال في حالة تأهب قصوى “استعدادا لمحاولات تسلل إرهابية وسيناريوهات غير متوقعة”. ونقل موقع هسكوفيم العبري عن اللواء في الإحتياط إيال بن روفين قوله: “لقد أوصلنا أنفسنا إلى وضع لا يطاق، السماء مغلقة والناس خائفون، الحروب الطويلة تؤذي الأقوياء لكن نتنياهو مرتاح ويقودنا إلى الكارثة، نتنياهو هو دمار وخراب لم يكن مثله لدولة إسرائيل”.
وتناولت منصة اعلامية اسرائيلية الردود المرتقبة على اسرائيل، وسألت: هل سيكتفون بإطلاق الصواريخ أم أنهم سيستخدمون “قوات الرضوان” والوحدات النخبوية الأخرى لديهم؟ و هل ستشمل الردود غارات برية؟ وقالت: يبدو أن ما خفي أعظم، وعندنا الأمور تسير كالمعتاد، لا يوجد أحد يرفع القفاز ويواجه شعب إسرائيل ويقول ما نحتاج إلى سماعه. كل شيء يتم في الظلال، تحت الطاولة، لا أحد يعرف شيئًا، نصف البلد على الأدوية، والجمهور ليس غبيًا”.
وقالت صحيفة “هآرتس”: ما نشهده لغاية الآن هو عدم وجود أيّ حوار بين الحكومة والجمهور الإسرائيلي، الحكومة ترى نفسها معفية من أن تشرح للجمهور ما هو متوقع، أو عن القرارات والأحداث التي أدت بنا إلى هذه النقطة المتوترة جداً في المواجهة، التي يمكن ان تتطور إلى حد حرب إقليمية، ويبدو ان الإعلام اعتاد على ذلك أيضا”.
ووزع الجيش الاسرائيلي وثيقة على رؤساء بلديات الشمال تحدد سيناريوهات الحرب مع “حزب الله” وفيها: انه في حالة اندلاع حرب مع “حزب الله” تشير الوثيقة الى انقطاع التيار الكهربائي لمدة 3 أيام في بعض المدن. ونحو 40% من القوى العاملة قد لا تتمكن من العمل طوال مدة الحرب. وان اسرائيل قد تواجه هجوماً غير مسبوق بمئات الصواريخ التي تحمل رؤوساً حربية تتراوح من حمولات تصل إلى 50 كيلوغراماً إلى 10 أضعاف ذلك. ومن المتوقع أن يستهدف “حزب الله” أهدافاً بعيدة إلى الجنوب من حيفا بما في ذلك تل أبيب”. وذكرت صحيفة “تايمز اوف اسرائيل” انه ” في حال اندلاع الحرب مع “حزب الله” ستنقطع إمدادات المياه لأيام وسنشهد قطع خطوط الهاتف الأرضي واتصالات الهاتف المحمول”.