ثمة سباق حقيقي بين الجهود الرامية الى وقف إطلاق النار في غزة، ما يعني عودة الهدوء الى كل الجبهات المساندة، وبين رد إيران وحزب الله وسائر المحاور التي إستهدفتها إسرائيل، ما يرجح فرضية الحرب الشاملة التي لا يريدها أحد، وتخشى الدول الكبرى من تداعياتها الكارثية وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأميركية التي تسعى لتجنب خوض إنتخاباتها الرئاسية على وقع هذه الحرب.
يمكن القول، إن وقف إطلاق النار في غزة، لا سيما بعد قيام إسرائيل بإستهداف الضاحية الجنوبية لبيروت وإغتيال القائد الشهيد فؤاد شكر، ومن ثم إستهداف رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد إسماعيل هنية في طهران، بات مطلبا عالميا، خصوصا بعد البيان الثلاثي الأميركي، المصري والقطري الذي صدر وشدد على ضرورة إنجاز هذه الصفقة المنتظرة، وهو لاقى تأييدا كبيرا من الاتحاد الأوروبي وأستراليا وعدد من الدول العربية.
وكذلك وجد البيان تأييدا من داخل إسرائيل سواء من المسؤولين أو من الصحف التي حملت عناوينها أمس تشديدا على ضرورة أن “يقتنع نتنياهو بأنه ما لم يحققه في غضون عشرة أشهر لن يستطيع تحقيقه اليوم، وبالتالي لا بد لهذه الحرب أن تنتهي وتتم صفقة التبادل لإخراج الأسرى الاسرائيليين الذين ما زالوا على قيد الحياة”، محملة رئيس حكومة الاحتلال مسؤولية أي عرقلة جديدة يمكن أن يقوم بها، ومستغربة كيف أن “رئيسا يلاحقه الفشل السياسي والميداني والعسكري منذ عشرة أشهر ولم يستقل حتى الآن وما زال متمسكا بمنصبه”.
تشير المعلومات الى أن الولايات المتحدة طلبت من الوسيطين المصري والقطري التواصل مع محور المقاومة وإقناعه بعدم الردّ، وإعطائها فرصة لممارسة المزيد من الضغط على نتنياهو للقبول بوقف إطلاق النار في غزة، على إعتبار أن ذلك يساهم في تهدئة كل الجبهات المساندة، بما في ذلك الردّ الذي يتمسك به محور المقاومة بإنتظار إكتمال دراسة الأهداف والتفتيش عن الفرص الحقيقية لإيلام العدو من دون أي إلتزام بما يحصل من وساطات.
لا شك في أن ما قام به نتنياهو من إستهداف للشهيدين شكر وهنية، قد إنقلب عليه في الداخل الاسرائيلي الذي يقبع مستوطنوه منذ عشرة أيام في الملاجئ أو في المناطق المحصنة ويتهافتون على تخزين المواد الأساسية، بينما الشلل يسيطر على كل المرافق بما في ذلك مطار بن غوريون، وذلك خوفا من رد المقاومة وإيران.
كما أن الرد الأولي على إستهداف الشهيد هنية جاء صاعقا بإختيار يحيى السنوار رئيسا لمكتب حماس السياسي، الأمر الذي ضاعف من الخوف الاسرائيلي ومن الامتعاض لدى بعض الدول، نظرا لعودة الداخل الفلسطيني الى الفكر الثوري الجهادي، وحصر قرار حماس السياسي والعسكري والميداني في غزة.
وبالتزامن، فإن الانقسامات الاسرائيلية بلغت مداها بين الحكومة نفسها، وبين اليمين واليسار، وبين المعارضة ونتنياهو وفريقه، وبين الموساد والجيش، وبين الشرطة والحريديم الرافضين للتجنيد في الجيش، فضلا عن ضغوط أهالي الأسرى والخسائر الاقتصادية والمالية المعطوفة على التهديدات التي أطلقها السيد نصرالله بضرب مصانع بقيمة 131 مليار دولار في شمال فلسطين في غضون نصف ساعة، إضافة الى الكتب التي أرسلتها قيادة الجيش الاسرائيلي الى الحكومة بأنها تواجه حرب إستنزاف ليس لها أي أفق، الأمر الذي يجعل وقف إطلاق النار مطلبا إسرائيليا قبل أي شيء آخر، ويحشر نتنياهو في الزاوية الصعبة بعد ثبت للجميع أنه يقود الكيان نحو الانهيار الحتمي، كونه يخوض حربا شخصية هدفها إطالة أمد عمره السياسي وإبعاد كأس المحاكمة عنه مهما كانت النتائج كارثية.
كل ذلك يشير الى أن نتنياهو يشكل العقبة الوحيدة أمام مساعي إنقاذ المنطقة من حرب إقليمية مدمرة، فهل تضحي أميركا بمصالحها في المنطقة والكيان الصهيوني لتحقيق مآرب نتنياهو، أم أنها ستعمل على إزاحته من المشهد وقريبا جدا..
غسان ريفي – سفير الشمال