“لا داعي للهلع”. الجملة الشهيرة التي صدرت عن وزير الصحة سابقا حمد حسن إبان فترة كورونا وعشية الحجر المنزلي، كررها الأسبوع الماضي وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام لطمأنة اللبنانيين إلى أن المواد الغذائية الأولية متوافرة، وتاليا لا ضرورة لتخزينها في المنازل. ولكن بأي سعر؟ فالتقرير الأخير الصادر عن إدارة الإحصاء المركزي أظهر أن مؤشر أسعار المستهلك بالقيمة الدولارية ارتفع بنسبة 32٪ بين أيلول 2023 وحزيران 2024، بما طرح أسئلة عدة عن سبب هذا الارتفاع الذي تزامن مع احتمال توسع الحرب وإمكان أن يطال العدوان الإسرائيلي العاصمة بيروت وضواحيها. يأتي ذلك على الرغم من نجاح مصرف لبنان في تثبيت سعر صرف الدولار إزاء الليرة، لتسقط بذلك حجة التجار لرفع الأسعار.
“النهار” استوضحت المدير العام لوزارة الاقتصاد والتجارة الدكتور محمد أبو حيدر تقرير الإحصاء المركزي، فأشار إلى أن ارتفاع مؤشر الاستهلاك بـ 0.28٪ في حزيران مقارنة بأيار 2024 سببه ارتفاع تكلفة الإيجار وأسعار الفنادق والمطاعم وخدمات أخرى، لافتا إلى أن “أسعار المواد الغذائية والسلع المسؤولة عن مراقبة أسعارها وزارة الاقتصاد لم ترتفع”.
وكان تقرير الإحصاء المركزي قد لحظ انخفاضا في أسعار السلع والخدمات المتفرقة بنسبة 2.4٪ في حزيران 2024 عن الشهر السابق. ووفق الإحصاء، انخفضت في شهر حزيران كل أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الروحية بنسبة 0.2%، وأسعار المشروبات الروحية والتبغ والتنباك بنسبة 0.3٪، أما أسعار الماء والغاز والمحروقات الأخرى فسجلت انخفاضا طفيفا بنسبة 0.03٪ في الشهر نفسه.
في السياق عينه، ترى نائبة رئيس جمعية المستهلك ندى نعمة أن مشكلة ارتفاع الأسعار قديمة جديدة، لكنها تتفاقم في الأزمات والحروب. وتقول: “سبب الارتفاعات المستمرة هو انعدام المنافسة وكثرة الاحتكارات، فبعض التجار المهيمنين هم حصرا المتحكمون في السوق، إلا أنهم يتفقون في ما بينهم على أسعار السلع وهوامش الربح ويفرضونها على الدولة لتصبح ملزمة للجميع، ومن يخالف من التجار يختفِ تلقائيا من السوق”.
تجزم نعمة بأن “لا قيمة لمراقبة الأسعار في لبنان، إذ إن نظامه الاقتصادي حر. فحتى لو وجد المستهلك السلعة نفسها بسعرين مختلفين فلا يستطيع أي شيء قانونا”. وتشير إلى أن “الجشع يسيطر على التجار الكبار في ظل التعطيل الكلي الذي يشهده المجلس الوطني لحماية المستهلك”.
ووفق الإحصاء المركزي، فقد ارتفعت القيمة التأجيريّة للمالكين بنسبة 2.2% في حزيران 2024 قياسا بأيار 2024، تليها زيادة بتكلفة الإيجار بنسبة 1.3%، فيما ارتفعت القيمة التأجيريّة للمالكين 2.2% في حزيران 2024 من أيار 2024، تليها زيادة في تكلفة النقل (+2%)، والأسعار في المطاعم والفنادق (+1.4%)، وتكلفة الإيجار (+1.3%)، والتعليم (+0.3%)، فالصحة والاتصالات (+0.01% لكل منهما)”.
ولكن كيف يمكن السيطرة على الأسعار؟ تعتبر نعمة أن “السيطرة على التضخم خصوصا في فترة الحرب تقتضي من الحكومة إعلان حالة طوارئ، لكي تعطى الحكومة صلاحية إصدار قرارات استثنائية من شأنها حماية الناس من مستغلي الأزمات”.
وتستغرب كيف أن لبنان يعتمد على نظام اقتصادي حر، وفي الوقت نفسه يعاني شبح الاحتكار، “وهو الدولة الوحيدة في العالم تعاني الاحتكار على الرغم من اعتمادها النظام الحر، وهذا يعود إلى وجود وكالات حصرية ولو بصورة غير مقوننة في كل القطاعات”.
وفهل من حل دائم لكبح جماح الأسعار؟ تجيب نعمة: “يجب تطبيق قانون حماية المستهلك بل مواده، وإقرار قانون منافسة يفتح الباب أمام كل الشركات لدخول السوق اللبنانية ومنع الاحتكارات”.
وتعتبر أن قانون المنافسة الذي صدر عن المجلس النيابي في شباط 2022 “لم يجد نفعا، وأتى مفصلا على مقاس التجار، عدا عن أنه لم يطبق فعليا ولم تصدر مراسيمه التطبيقية، كما أنه لم يشكل مجلس المنافسة”.
قد يخطئ البعض ويعتبر أن التحدي في حال نشوب حرب كبرى هو تأمين المواد والسلع الغذائية، ولكن في واقع الحال ما يهدد أمن اللبنانيين الغذائي هو الارتفاع الجنوني للأسعار الذي سيشكل التحدي الفعلي والأصعب للحكومة وللجنة الطوارئ التي فعّلها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أخيرا.
جاد فقيه – النهار