سحبت إيران والمقاومة الاسلامية في لبنان من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إحدى الذرائع الأساسية للإستمرار في الحرب، حيث تمهلا في الرد على إغتيال الشهيدين فؤاد شكر وإسماعيل هنية، وإكتفيا في فرض “الإنتظار القاتل” على المجتمع الاسرائيلي المشلول والقابع في الملاجئ والأماكن المحصنة، وذلك لمنع نتنياهو من إستثمار أي رد لضرب مفاوضات الدوحة التي يفترض أن تنطلق اليوم ومن تحقيق رغبته في توسيع الحرب التي وحدها تحميه من المحاكمة والسجن.
لا شيء في السلوك الاسرائيلي يوحي بأن حكومة الاحتلال قابلة للتعاطي بإيجابية مع المفاوضات وصولا الى وقف إطلاق النار في غزة، حيث لم تتوان عن إرتكاب المجازر لا سيما مذبحة الفجر في مدرسة التابعين، وعن إقدام وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير على إقتحام المسجد الأقصى على رأس مجموعات صهيونية يفوق عددها الثلاثة آلاف، فضلا عن إمعانها في ضرب المدنيين في لبنان وفي التدمير الممنهج للقرى الجنوبية، ما دفع المقاومة أمس الى إرسال دفعة من الصواريخ على الحساب الى كريات شمونة التي شهدت تضرراً في عدد من المباني من بينها مصرف “لئومي” كرد فعل مناسب على الفعل الاسرائيلي الاجرامي.
في غضون ذلك، بلغت الاتصالات الدولية ذروتها عشية إنطلاق المفاوضات من أجل إنهاء الحرب على غزة وخفض التصعيد على جبهات المساندة لا سيما اللبنانية منها، حيث عبرت عدة دول ومن بينها من هي داعمة بشكل مطلق لإسرائيل عن ضرورة وقف الحرب والذهاب الى الحلول الدبلوماسية، وعدم دفع المنطقة الى حرب شاملة ستكون تداعياتها كارثية على الجميع.
وفي الوقت الذي بدأ فيه لبنان يفقد الثقة بالجهود الأميركية لوقف الحرب، بفعل التناقض الحاصل بين الدعوات لإنهائها وطرح مبادرة صفقة التبادل من الرئيس جو بايدن، وبين دعم إسرائيل بالمال وتزويدها بالسلاح وبالصواريخ المدمرة، جاءت زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين للتأكيد على أن الولايات المتحدة تبذل كل جهدها من أجل وقف الحرب وإنجاح المفاوضات حول صفقة التبادل، وعلى أن بايدن يعمل بكل جدية لوضع حد لأزمة المنطقة ومنع الحرب عنها قبل إنتهاء عهده، مشددا على ضرورة خفض التصعيد.
ولا شك في أن جهود هوكشتاين كانت يجب أن تنصب على العدو الاسرائيلي للضغط عليه للذهاب الى الحل الدبلوماسي وإيقاف حرب الابادة الجماعية في غزة، والكف عن العدوان المستمر على لبنان، والتعاطي مع المفاوضات بإيجابية والانطلاق فيها من ورقة الرئيس جو بايدن التي تم التوافق عليها في تموز الماضي ووافقت عليها حماس، وليس وضع العصي في الدواليب وطرح بنود جديدة لا يمكن للمقاومة الفلسطينية أن تقبل بها.
كل الأنظار تتجه اليوم الى الدوحة حيث تنطلق المفاوضات التي سيتوقف على نتائجها مصير المنطقة، خصوصا بعد تأخير الرد الايراني ورد المقاومة الاسلامية في لبنان بهدف عدم تعكير الأجواء ولإحراج نتنياهو أمام أميركا ومجلس الأمن وسائر الدول الداعية الى التهدئة.
وتشير المعطيات الى أنه في حال أنتجت المفاوضات توافقا على صفقة التبادل ووقف إطلاق النار، عندها ستدخل إيران والمقاومة في نقاش حول ماهية الردّ وكيفية حصوله، أو ربما يصار الى غض النظر عنه مؤقتا، خصوصا أن الأولوية لدى محور المقاومة هي لوقف الحرب على غزة، أما في حال إستمر نتنياهو في غطرسته وعمل على إفشال المفاوضات مجددا وإستمر في عدوانه على غزة وفي إستفزاز لبنان وإرتكابه المجازر بحق المدنيين، فعندها سيكون الرد على مستوى الحدث مهما كانت نتائجه، وقد تكون المنطقة أمام ضربات متبادلة بين محور المقاومة وإسرائيل، كون الجميع لا يريد الحرب الشاملة ولا مصلحة له فيها، بإستثناء نتيناهو الهارب من المحاسبة بدماء الأبرياء، والذي في حال فشلت المفاوضات لن يكون هناك حل جديد طالما أنه موجود في المشهد السياسي والاقليمي.
غسان ريفي – سفير الشمال