تعثر مفاوضات الهدنة لم يُفاجىء أحداً من الوسطاء، وضياع «الفرصة الأخيرة» لوقف الحرب في غزة وإطلاق الرهائن، نتيجة إصرار نتنياهو على العرقلة، بهدف إطالة أمد الحرب، يفتح أبواب التصعيد على مصراعيها، ويضع المنطقة على عتبة حرب إقليمية شاملة، مع كل ما تحمله من مخاطر ، حتى على الكيان الصهيوني نفسه.
لا يهم أن يحاول الرئيس الاميركي بايدن ومعه وزير خارجيته بلينكن تحميل حماس مسؤولية فشل الجولة الراهنة من المفاوضات في القاهرة، لأن الوسطاء، وفي مقدمتهم مدير وكالة الإستخبارات الأميركية وليم بيرنر، يعلمون قبل غيرهم، أن التعثر في المفاوضات الحالية، كما في الجولات السابقة، يأتي من نتنياهو شخصياً، ومن خلال تعليمات مباشرة للوفد الإسرائيلي المفاوض.
بل وأكثر من ذلك فإن رئيسي الموساد والشاباك جهرا بخلافاتهما مع نتنياهو المراوغ في التوصل إلى صفقة لإطلاق الرهائن، والمعاند، رغم نصائحهما، بضرورة الإسراع في إنهاء الحرب، على عكس قراره بإستمرار العمليات العسكرية بحجة القضاء على حماس، دون الأخذ بعين الإعتبار حياة الرهائن، وعدم إعادتهم إلى ذويهم أمواتاً، كما حصل أمس عند العثور على جثث خمسة إسرائيليين، قضوا بسبب القصف الإسرائيلي الوحشي على المناطق المدنية في غزة.
التصعيد المتدحرج على جبهة الجنوب، والذي بدأ يتوغل في العمق على جانبي الحدود، يُعتبر نموذجاً مصغراً لمستوى العنف الذي يمكن أن تشهده المنطقة، في حال إستمر اليمين الإسرائيلي المتطرف في حربه الفاشلة على غزة، وفي مغامرته الخطرة على الجبهة الشمالية، في قصف الضاحية الجنوبية لبيروت وإغتيال فؤاد شكر، وصولاً إلى إغتيال هنية في طهران، حيث مازال الرد الإيراني ينتظر نتائج المفاوضات الراهنة حول صفقة غزة، وكذلك رد حزب الله، ورسالة حماس إلى محور المقاومة «للتحرك ضد الكيان الغارق في وحول غزة.
تمسُّك نتنياهو بالبقاء في محور فيلادلفيا لا يتعارض بوضوح مع مضمون إتفاقية كامب دافيد والبروتوكولات الملحقة فيها، ويهدد العلاقات المباشرة بين إسرائيل وأول دولة عربية وقعت معاهدة سلام مع الدولة العبرية وحسب، بل يُعرض مصداقية إتفاقيات التطبيع مع دول عربية أخرى للطعن، على إعتبار أن الدولة الصهيونية لا تلتزم بتعهداتها، وتنتهز أول فرصة لضرب مضمون الإتفاقيات عرض الحائط، بذريعة الدفاع عن الأمن الذاتي !
ومعارضة رئيس الحكومة الإسرائيلي الإنسحاب من معبر نتساريم، يكشف نوايا نتنياهو وفريقه المتطرف بعدم الإنسحاب من غزة، والعمل على العودة إلى القطاع من جديد، خلافاً لكل القرارات الدولية المعنية بإنسحاب إسرائيل من غزة.
الأجواء المتشائمة المحيطة بمصير المفاوضات في القاهرة، قبل أن تبدأ، لا يعني أن إنهيار جهود وقف النار في غزة بات قدراً محتوماً، مع التداعيات الأمنية التي ستهز المنطقة لاحقاً، فالأيام المقبلة قد تحمل بشائر الفرج والإنفراج في اللحظة الأخيرة.
صلاح سلام -اللواء