راهن أوّل رئيس وزراء للكيان الصهيوني ديفيد بن غوريون، غداة نشأة الكيان المحتل على أرض فلسطين في العام 1948، وإعلان قيامه بعد اغتصابه الأرض المحتلة، على أنّ القضية الفلسطينية ستُنسى ويطويها الزمن في حدود جيل أو جيلين على الأكثر، لمّا ردّد مقولته الشّهيرة عن الشّعب الفلسطيني: “الكبار يموتون والصّغار ينسون”.
لم يطل الزمن حتى خاب ظنّ بن غوريون، برغم أنّ دولة الكيان إتسعت حدودها من العام 1948 أضعافاً في العام 1967 لتمتد على كامل أرض فلسطين فضلاً عن هضبة الجولان في سوريا وسيناء في مصر ووادي عربة في الأردن، إلى جانب إجتياحه لبنان في العامين 1978 و1982، واحتلاله أرضاً فيه ما يزال يحتل قسماً منها حتى اليوم، وتحديداً مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية الغجر، لأنه على امتداد تلك السنين كانت أجيال المقاومة للكيان المحتل تتوالد كالفطر عاماً بعد آخر، ويُسلّم كلّ جيل راية المقاومة إلى جيل آخر بعده.
أكثر من ثلاثة أرباع القرن مرّت على نكبة 1948 ونكسة العام 1967 وإحتلال الكيان أرض فلسطين، وطرد أغلب أبناء الأرض وأصحابها الأصليين خارج وطنهم، لكن كلّ تلك السنين لم تجعل القضية تموت، ولا يطويها النسيان، وأنّ الصغار لم ينسوا القضية والأرض برغم موت الكبار، كما توهّم بن غوريون يوماً.
فالإنتفاضة الفلسطينية التي هبّت في العام 1989 في وجه المحتل الصهيوني قام بها فلسطينيو الداخل، من أبناء الجيل الثاني والثالث، فكانت مواجهتهم للمحتلين بالحجارة واللحم الحيّ لواحدة من أقوى وأعتى آلة عسكرية في المنطقة والعالم، حيث أسهموا في إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة مجدّداً، بعدما ظنّ كثيرون أنّ النسيان قد طواها إلى الأبد.
أبناء وأحفاد شهداء الجيل الأوّل من المقاومة الفلسطينية نجحوا في إلحاق هزيمة أولى بالكيان المحتل في العام 2005 عندما أجبروه بالخروج من قطاع غزّة تحت ضربات المقاومة، مُسجّلين أوّل إنتصار على دولة الكيان، ورسمت لهم بارقة أمل في تحقيق إنتصارات أخرى تسهم في استعادة أجزاء أخرى من أرض فلسطين التاريخية، من النهر إلى البحر.
مع مرور الأيّام تبين أنّ الصغار لم ينسوا قضيتهم برغم موت الكبار، وأظهرت الأجيال الجديدة تمسكاً أكثر جذرية بأرضهم التي لم يروها يوماً، لكنهم حملوها معهم في بلاد الشتات، وتبين أنّ تمسكهم بوطنهم لم ينجح المحتلون في نسيانهم له أو شطبه من ذاكرتهم.
ما حصل في عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في 7 تشرين الأوّل الماضي، وبعدها وصولاً حتى اليوم، بعد مرور أكثر من 300 يوم على عدوان إسرائيلي، أكّد أنّ الجيل الذي تسلم راية المقاومة من الجيل الذي سبقه كان أكثر تشدّداً وتمسكاً بقضيته، رافضاً أيّ شكل من أشكال التسوية على حساب وطن وأرض إرتوت بدماء الشهداء من الأطفال والنساء وكبار السنّ والمقاومين على امتداد أكثر من 75 عاماً، وما تزال، من غير أن تخفت شعلة المقاومة أو تنطفىء.
عبدالكافي الصمد – سفير الشمال