الأحد, سبتمبر 29

بينما تستمر أبحاث مكافحة الشيخوخة.. هل يمكن حقاً استعادة الشباب؟

يُعانِي ما يقرب من 80% من كبار السن مِمّن تجاوزوا 65 عاماً من العُمر مرضاً مزمناً واحداً على الأقل، بينما يعاني 68% من الشريحة العمرية نفسها مرضَين أو أكثر، ويُتوقّع خلال الثلاثين عاماً القادمة أن يصل عدد من تجاوزت أعمارهم 65 عاماً ما يقرب من 1.5 مليار نسمة، بما يعني وقوع نسبة ضخمة من هؤلاء في دائرة المرض المزمن.

الأمر الذي دفع الباحثين إلى دراسة سُبل تجنب هجمات الأمراض المزمنة، من خلال مكافحة الشيخوخة نفسها أو حتى إبطاء وتيرتها إن أمكن، وقد خضعت بعض الأدوية للبحث بغرض اكتشاف مدى فاعليتها في هذه المكافحة، مثل دواء السكري المشهور “ميتفورمين”، فيما أظهرت بعض الأبحاث نتائج واعدة بالفعل، وهو ما طرح سؤالًا كبيراً: فهل يمكن استعادة الشباب بمثل تلك الأدوية أم أن الطريق لا يزال طويلًا؟

لماذا اتجه الباحثون للأدوية المضادة للشيخوخة؟

رغم التكلفة العالية لإجراء أبحاثٍ على أدوية مكافحة الشيخوخة، فضلًا عن التوصّل إليها، فإن الإنجازات في هذا الطريق تبدو مثيرة حتى الآن، وبينما هناك زيادة في عدد كبار السن حول العالم، من الذين تجاوزوا الثمانين والتسعين عاماً من أعمارهم، بتحسن مستويات الرعاية الصحية، لذا سعى الباحثون لإيجاد طريقة يستطيعون من خلالها جعل كبار السن يتمتّعون بحياةٍ صحية جيدة، خاصةً مع كونهم مُعرّضين لأمراضٍ مزمنة.

تقول دكتورة صوفيا ميلمان، أستاذة الطب وعلم الوراثة المشاركة بكلية ألبرت أينشتاين للطب: “لا يتعلّق الأمر بالعيش إلى 200 عام، بل يتعلّق بالعيش إلى 90 عاماً في صحة جيدة”.

لقد أظهرت بعض الأدوية نتائج واعدة بالفعل على الحيوانات، لكن اختبار تأثيرها طويل المدى على البشر قد يستغرق وقتاً ومالاً كبيرين، وحتى الآن لا يتم تعريف الشيخوخة على أنها مرض يمكن الوقاية منه من قِبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA، لذا لا يُوجد مسار واضح للموافقة على “أدوية مضادة للشيخوخة”، ومع ذلك يأمل الخبراء أن يتغيّر ذلك لاحقاً.

ما الأدوية المضادة للشيخوخة التي كُشِف عنها؟

هناك بعض الأدوية التي خضعت لأبحاثٍ في هذا الإطار، وهي أدوية استُخدِمت في الأساس لعلاج بعض الأمراض، وذاع صيتها من هذا الجانب، لكن قد لا يعلم كثير من الناس أنّها قد تساعد في مكافحة الشيخوخة، مثل:

1. ميتفورمين

دواء السكري الذي يستخدمه الملايين، وُضِع تحت المجهر لسنوات حيث تم بحث أثره المضاد للشيخوخة، ويزعم الخبراء أنه لا يزال المتصدر في السباق نحو عقار واسع الأغراض، مضاد للأمراض.

فقد أظهرت الدراسات أن للميتفورمين فوائد وقائية ضد أمراض القلب والأوعية الدموية، وقد يكون قادراً على تقليل خطر الإصابة بأمراض أخرى مرتبطة بالشيخوخة، مثل السرطان والخرف والسكتة الدماغية، فيما وجد بحث أحدث نُشر في “Aging Cell” أن الدواء الذي يعود تاريخه إلى عقود مضت، قد يحمي أيضاً من فقدان العضلات لدى كبار السن.

ويقول دكتور “نير برزيلاي”، مدير معهد أبحاث الشيخوخة في كلية ألبريت أينشتاين للطب: “أنّه دواء يستهدف جميع السمات البيولوجية للشيخوخة”. وأضاف: “الميتفورمين آمن أيضاً، وله آثار جانبية قليلة، وهو رخيص الثمن”.

د.”برزيلاي” بصدد إطلاق تجربة سريرية كبيرة مدتها 6 سنوات تُسمى “TAME”، لاختبار ما إذا كان كبار السن الذين يتناولون الميتفورمين يمكنهم الهروب من الشيخوخة، أو على الأقل تأخير تطوّر الأمراض المرتبطة بالعمر أم لا، فيما يأمل أن تُظهِر الدراسة، التي تضم 3,000 شخص أن الشيخوخة يمكن التغلب عليها بالأدوية، حيث يعتبرها السبب الرئيس للأمراض، وقد يُساعِد التغلب عليها أو إبطاؤها في تجنّب الإصابة بالعديد من الأمراض.

2. راباميسين

اكتُشف دواء “راباميسين” في السبعينيات، ويُستخدَم حالياً للمساعدة في منع رفض الأعضاء بعد زراعة الكُلى، وكذلك في علاج أنواع مُعينة من السرطان.

وقد أثبت الدواء مراراً وتكراراً أنه يساعد في الوقاية من السرطان في القوارض، كما يُبطِئ تطوّر الخرف، ويقول الباحثون إنه يساعد الفئران في الحفاظ على عضلاتها، ويُؤخر ظهور أمراض القلب، كما يُحسّن الاستجابة للقاح.

وقد وجدت دراسة أنّ هذا الدواء يمكن أن يطيل عمر الفئران كبيرة السن بنسبة 14% في الإناث و9% في الذكور، من خلال تأجيل الإصابة بالأمراض، كما أسفرت دراسات أخرى عن نتائج مماثلة.

وينصب التركيز الآن على البشر، وما إذا كان “راباميسين” سيمنحهم تلك الفوائد نفسها من تأخير المرض والشيخوخة أم لا، وهناك عدد صغير من التجارب البشرية في المراحل المبكرة جارية على قدم وساق في هذا الإطار حالياً.

3. مثبطات الإنزيم المحوّل للأنجيوتنسين

هي فئة من أدوية ضغط الدم، تساعد على خفض ضغط الدم، وتخفيف التوتر الواقع على القلب، وقد أظهرت بعض الدراسات التي أُجريت على الفئران أنّ تلك الأدوية قد تُطِيل أعمار الحيوانات مع الحفاظ على ضغط الدم، إلا أنه لا تزال هناك حاجة إلى دراساتٍ بشرية بهذا الشأن، لإثبات النتائج نفسها أو مقاربتها على البشر.

4. مثبطات الناقل المشارك صوديوم/غلوكوز 2

أحد أنواع الأدوية المُستخدمة في علاج مرض السكري، وذلك من خلال دفع مزيدٍ من سكر الدم للخروج عبر البول، وقد أفادت بعض الدراسات التي أُجريت على الفئران أنّ تلك الأدوية قد تُطِيل العمر.

واقترح بحث أن فوائد ذلك الدواء من تنظيم مستويات السكر في الدم، هي ما يُساعد على تجنّب الإصابة بكثيرٍ من الأمراض، ومِن ثم فقد يساعد الحفاظ على مستويات السكر في الدم دون تناول أدوية في الوقاية من الأمرض وإبطاء وتيرة الشيخوخة.

5. المُسكنات

تُسمى كذلك مضادات الالتهاب غير الستيرويدية، وقد أشارت إليها دراسة نُشِرت عام 2024 في مجلة Biomedicines ضمن الأدوية المضادة للشيخوخة.

جديرٌ بالذكر أنّ الالتهابات لها دور أساسي في عملية الشيخوخة، وهذه الأدوية مضادة للالتهابات، وقد أظهرت دراسات أُجريت على الفئران أنّ تلك الأدوية قد تُؤخّر الشيخوخة بإبطاء ضمور الدماغ المرتبط بالعمر.

ولكن لكثرة الآثار الجانبية لتلك الأدوية، لا تزال هناك حاجة إلى دراساتٍ سريرية لمعرفة المدى الذي تبلغه في مكافحة الشيخوخة، وأيضاً الموازنة بين ذلك وبين آثارها الجانبية المُتوقّعة.

6. الليثيوم

الليثيوم من العناصر الغذائية الموجودة في الخضراوات ومياه الشُرب، وقد استُخدِم سريريًا لعلاج الاضطراب ثنائي القطب.

وقد وجدت بعض الدراسات أنّ استخدام الليثيوم كعلاج لفترة طويلة، قد منع قصر التيلومير (الأمر الذي يُسبِّب الشيخوخة)، وقد أكّدت دراسة أخرى أنّ تناول الليثيوم منخفض الجرعة قادر على إطالة العُمر لدى البشر.

7. مُؤخرات الشيخوخة (Senolytics)

فئة حديثة من الأدوية مهمتها استهداف الخلايا الشائخة، والتي تُسمّى “خلايا الزومبي”، وهي خلايا تالفة ترفض الموت، ويقول د.”نير برزيلاي” إنّه مع تقدّمنا في العمر، يصبح الجسم أقل فاعلية في إزالتها، لذلك يبدأ في مراكمة وإطلاق المواد الكيميائية التي يمكن أن تُسبِّب الالتهاب، وإتلاف الخلايا المجاورة، ومن ثم حدوث الأمراض.

الشيء المُميّز أنّ بعض مُؤخِّرات الشيخوخة تمت الموافقة عليها من قِبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA لعلاج بعض الأمراض، مثل السرطان، بينما بعضها موجود طبيعياً ويُباع في صورة مكملات غذائية.

والآن يختبر العديد من الباحثين في مختلف الجامعات والمراكز الطبية قدرة مؤخّرات الشيخوخة في الوقاية من أو إبطاء وتيرة الإصابة ببعض الأمراض، مثل مرض ألزهايمر، وخشونة المفاصل، ومرض الكلى، بل تُنفِق الشركات الخاصة أموالاً هائلة في بحوث تلك الأدوية.

أفضل طريقة للحفاظ على الشباب

لا تزال الأبحاث في مهدها للجزم بأنّ دواءً ما قادراً على تخليصك من الشيخوخة أو تجنبيك إياها، كما لا يخفى عليك أنّ لكل دواءٍ آثارًا جانبية، قد لا يمكن تجنّبها بأي حالٍ من الأحوال.

لذا إلى أن تُجرَى مزيد من الأبحاث حول الأدوية المضادة للشيخوخة، فإنّ أمثل طريقة لمكافحة الشيخوخة هي الحرص على نظامٍ غذائيٍ صحي، وتقليل التوتر قدر الإمكان، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، والحصول على قسطٍ كافٍ من النوم، ثم العلاقات الصحية مع الآخرين، وأخيراً ربّما يكتشف الباحثون دواء ما أكثر فعالية من هذه الطرق مستقبلاً.

Leave A Reply