كتبت صحيفة “البناء”: نشطت اتصالات الرئيس الأميركي جو بايدن برئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بحثاً عن مخرج من المأزق الذي تسببت به مواقف واشنطن التي حمّلت حركة حماس مسؤولية فشل المفاوضات، بعدما صرّح كل من الرئيس بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن بأن حماس هي المسؤولة عن فشل المسار التفاوضي، إثر تبني بلينكن طلبات نتنياهو بتعديل مبادرة الرئيس بايدن وفقاً لها، واعتبارها مقترحاً أميركياً تنفيذياً للمبادرة قبله نتنياهو وعلى حماس قبوله.
إغلاق حماس باب التفاوض بعد الموقف الأميركي المتماهي مع نتنياهو، كما وصفته، أصاب المسعى الأميركي القائم أصلاً على إطالة أمد المفاوضات الى أطول مرحلة ممكنة، واستثمار شراء الوقت تحت ستار التفاوض للتشويش على قرار إيران وقوى المقاومة الردّ على الاعتداءات الاسرائيلية التي استهدفت العاصمتين بيروت وطهران وقتلت قائدين كبيرين هما رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية والقائد الكبير في المقاومة فؤاد شكر، لكن العقائدية العمياء غلبت الحسابات البراغماتية لإدارة بايدن ووزيره بلينكن، كما قالت مصادر متابعة، حيث كان المفترض أن لا يُقدم بلينكن على إقفال الباب التفاوضي وإبقائه مشرعاً على تبادل المقترحات لأطول مدة ممكنة كي يتسنى الضغط على إيران والمقاومة بذريعة المطالبة بعدم الرد لإفساح المجال أمام إنجاز التفاوض اتفاقاً ينهي الحرب في غزة ويؤمن دخول المساعدات إلى أهلها المحاصرين.
مصادر فلسطينية قالت إن إعادة إحياء المسار التفاوضي صارت أكثر تعقيداً بعد الموقف الأميركي، وإن احتمال إعلان المقاومة رفض التفاوض في ظل وساطة أميركيّة صار أكبر، وإن المقاومة تدرس التوجه لمطالبة مجلس الأمن الذي أصدر القرار 2735 الذي تبنّى مبادرة بايدن وقبلته المقاومة، ليضع يده على الملف ويضع آلية تنفيذية لقراره، بصيغة تشبه ما حدث خلال حرب 2006 على لبنان والتي انتهت بصدور القرار 1701.
في جبهات القتال، غزة تواصل عملياتها النوعية رغم المجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق المدنيين، وحزب الله يقصف بعشرات الصواريخ ثكنات قيادة جيش الاحتلال في الجولان، بينما اليمن يصيب سفينتين في البحر الأحمر.
وفيما تؤشر المعلومات والمعطيات والمواقف الآتية من الدوحة بتعثر جولة المفاوضات الأولى وفشل زيارة وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن الى المنطقة بالضغط على رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو للموافقة على وقف إطلاق النار في غزة، ترجّح أوساط سياسية مطلعة خيار التصعيد في المنطقة في ظل قرار إسرائيلي بتغطية أميركية بجولة تصعيد في المنطقة لأسباب متعددة أهمها محاولة لتغيير موازين القوى ومعادلات الردع في المنطقة التي أفرزتها عملية طوفان الأقصى وأشهر الحرب العشرة بالإضافة الى جبهات الإسناد. واستبعدت الأوساط عبر لـ»البناء» التوصل الى اتفاق لوقف إطلاق النار في جولة المفاوضات المرتقبة في القاهرة، لا سيما بعد فشل مفاوضات الدوحة وزيارة وزير الخارجية الأميركية الى «إسرائيل» ومصر والدوحة، بسبب تمسّك نتنياهو بشروطه. وشدّدت الأوساط على أنّه مع انسداد أفق الحلول وضيق خيارات حكومة «إسرائيل» باتت كافة الخيارات قائمة ومن ضمنها التصعيد الواسع في المنطقة لكن لا يعني ذلك حتمية الانزلاق الى حرب شاملة لغياب القرار عند كافة الأطراف بخوضها وبالشروع فيها كي لا تتحمّل المسؤولية أمام العالم، وثانياً تهيب نتائجها وتداعياتها في ظل قدرة التدمير لكافة الأطراف والمفاجآت المتوقعة.
غير أن اللافت هو انبراء شخصيات سياسية وإعلامية محسوبة على القوى الغربية للحديث عن معلومات بأن الحرب في المنطقة باتت قريبة! ولم تُعرف حقيقة هذا الكلام وما إذا كان مبنياً على معلومات دقيقة أم جزءاً من الحرب النفسية والضغط على لبنان والمقاومة في إطار سياسة الردع الإسرائيلية لتجميد ردّ حزب الله ومحور المقاومة. وقد تحدّث مروان حمادة أن لديه معلومات من مسؤولين على علاقة مباشرة بالمفاوضات أنّ الحرب واقعة خلال أيام قليلة أو ساعات، قبل أن يتراجع مساء أمس، في تصريح آخر ويقول إنّه يتحدث كصحافي وليس كسياسي.
وفيما جدّدت مصادر في فريق المقاومة لـ”البناء” التأكيد بأن الرد على اغتيال القيادي فؤاد شكر آتٍ لا محالة عاجلاً أم آجلاً، ولن تتأثر المقاومة بحملات التشويش والتحريض والاستفزاز وستقوم بما تراه مناسباً ويحقق المصلحة الوطنية وضرورات استمرار جبهات الإسناد انسجاماً مع رؤية واستراتيجية قيادة محور المقاومة باستنزاف كيان الاحتلال والربح بالنقاط.
وأكد عضو “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب إبراهيم الموسوي، خلال تشييع أحد عناصر “حزب الله” في بلدة النبي شيت، أن “استهداف المواطنين في بيوتهم الآمنة لن يزيدهم إلا تمسكاً بخيار الدفاع عن وطنهم، ودعمهم للمقاومة، وأن الوحشية الصهيونية التي يمارسها العدو على الأبرياء في البقاع والجنوب وصولاً إلى غزة وحّدت الدماء التي ستنتصر على السيف في نهاية المطاف”.
وفي سياق منفصل، لفت الموسوي، في حديث لـ”الجزيرة” الى أننا “سنبقى في معركة إسناد غزة ولن يثنينا ازدياد الشهداء والتضحيات”، مؤكداً أن “الردّ على اغتيال القائد فؤاد شكر لن يكون ملتبساً وسيدركه الجميع”.
وعلمت “البناء” أن أكثر من مرجع دبلوماسي أبدى تشاؤمه من نتائج المفاوضات في الدوحة والقاهرة وحذّر جهات سياسية لبنانية من أن التصعيد سيكون سيّد الموقف خلال الأشهر المتبقية من الإدارة الأميركية الحالية وأن الملفات والتسويات في المنطقة سترحل الى الإدارة الجديدة.
ميدانياً، واصل مجاهدو المقاومة ضرباتهم النوعيّة ضد مواقع وتجمّعات العدو، وشنّ المقاومون هجومًا جويًا بأسراب من المسيّرات الانقضاضية على المقر الاحتياطي للفيلق الشمالي وقاعدة تمركز احتياط فرقة الجليل ومخازنها اللوجستية في قاعدة “عميعاد”. فما هي هذه القاعدة؟
وتقع قاعدة “عميعاد”، شمال غرب بحيرة طبريا، وتبعد عن الحدود اللبنانية الفلسطينية حوالى 19 كلم، يتمركز فيها احتياط فرقة الجليل ومخازنها، وفيها مقر احتياطي للفيلق الشمالي.
وتتبع القاعدة لقيادة المنطقة الشمالية في جيش العدو “الإسرائيلي”، واستهدفتها المقاومة للمرة الثانية.
وصدر عن “المقاومة الإسلامية” البيان الآتي: “رداً على اعتداء العدو الإسرائيلي الذي طال منطقة البقاع قصف مجاهدو المقاومة الإسلامية اليوم قاعدة تسنوبار اللوجستية في الجولان السوري المحتل بصليات من صاروخ كاتيوشا”. كذلك، استهدف موقع حدب يارون بقذائف المدفعية. و”رداً على اعتداء العدو الإسرائيلي الذي طال منطقة البقاع”، شنّ الحزب اليوم “هجوماً جوياً بأسراب من المسيّرات الانقضاضية على المقرّ الاحتياطي للفيلق الشمالي وقاعدة تمركز احتياط فرقة الجليل ومخازنها اللوجستيّة في عميعاد، مستهدفة مراكز القيادة وأماكن تموضع ضباطها وجنودها وأصابت أهدافها بدقة”. كما استهدف الحزب دبابة ميركافا في موقع العباسيّة. وفي بيان آخر أعلن “حزب الله” استهداف قوّة إسرائيليّة تتحرك في محيط ثكنة زرعيت بقذائف المدفعيّة. ونعى الحزب خمسة من عناصره. وتم استهداف مقرّ في ثكنة راميم تشغله قوات من لواء غولاني بصلية كاتيوشا وتموضعات لجنود العدو في موقع مسكافعام.
وفي تصريحات تعكس اعترافاً واضحاً بالفشل والإخفاق في الحرب على غزة ومحاولة لرفع معنويّات جيش الاحتلال وكيانه، أعلن الرئيس الجديد لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان” شلومي بيندر بأنه “حيثما قصّرنا، سنحقق وسنحسّن؛ حيثما ارتكبنا أخطاء، سنتعلم وسنتغيّر، وحيثما نشأت شقوق، مهما كانت كبيرة، سنُصرّ على إصلاحها ورأبها”. وأضاف: “سنفعل ذلك من منطلق المسؤوليّة، ومن أجل إعادة بناء الثقة. هذا واجبنا”. ولفت إلى أنه “علينا أن نستمرّ في تعزيز استعداداتنا لتوسّع الحرب في الشمال، وبناء بنية تحتية استخباراتية قوية لإسرائيل للدفاع والهجوم في ساحات أبعد، كما أثبتت هذه الشعبة قدرتها على القيام بذلك ببراعة، في الآونة الأخيرة”. وتابع: “علينا أن نواصل السعي نحو النصر – تفكيك حماس وقدراتها بشكل منهجيّ، وخلق الأمن على جميع الحدود، لكي يتمكن سكان الشمال والجنوب من العودة إلى بيوتهم”.
وواصل العدو الإسرائيلي اعتداءاته على الجنوب والبقاع فنفذ اغتيالاً في صيدا، حيث شنّت مسيرة إسرائيلية غارة في منطقة الفيلات في صيدا، استهدفت سيارة الضابط المتقاعد في حركة فتح خليل المقدح، ما أدّى الى مقتله. وخليل المقدح هو شقيق القيادي في فتح منير المقدح ومن كتائب شهداء الأقصى. وأعلنت القناة 14 الإسرائيلية أن خليل المقدح كان ناشطاً في فيلق القدس التابع للحرس الثوريّ. وأشار الجيش الإسرائيلي الى ان المقدح كان ينقل الأموال والأسلحة إلى الضفة الغربية.
أغارت مسيّرة إسرائيلية قرابة السابعة صباحاً، بصاروخ موجّه على سيارة في بلدة بيت ليف. وأعلن مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة العامة أن الغارة أدّت إلى استشهاد مواطن لبناني. كذلك أدى القصف الإسرائيلي المعادي على بلدة الوزاني إلى استشهاد شاب سوري. وكان قصف مدفعي من العيار الثقيل استهدف مجرى نهر الليطاني أطراف بلدة ديرميماس. وشنّ الطيران الحربيّ سلسلة غارات عنيفة بعدد من الصواريخ على بلدات النبي شيت، بوداي وسرعين، خلّفت كرة لهب في سماء المنطقة، ودويّاً كبيراً في أرجائها. وصدر عن مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة العامة حصيلة نهائية مفصلة لغارات العدو الإسرائيلي ليل الثلثاء الأربعاء على البقاع. حيث أدّت إلى استشهاد مواطن لبناني وإصابة ثلاثين شخصاً.
ورأى خبراء في الشؤون العسكرية لـ”البناء” أن التصعيد الإسرائيلي التدريجي ضد لبنان يهدف لفرض معادلة ردع على حزب الله كرسالة بأن ردة الفعل الإسرائيلية على رد محور المقاومة سيكون حرباً شاملة، ظناً بأن حزب الله ومحور المقاومة سيتراجعان أو سيخفضان حجم الرد لتجنب الحرب الشاملة.
على صعيد آخر، رأس رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي اجتماعاً في السرايا الحكومي، ضمّ وزير الطاقة والمياه وليد فياض، وزير المال يوسف خليل، المدير العام لوزارة المال جورج معراوي، ومستشار رئيس الحكومة الوزير السابق نقولا نحاس. وصرّح فياض بعده: خصّص الاجتماع لبحث موضوع دفع مستحقات المؤسسات والإدارات العامة لصالح “كهرباء لبنان”، هناك سلفة خزينة بقيمة 6800 مليار ليرة ولم يدفع منها سوى ألف مليار ونعمل على صياغة حل للمبلغ المتبقي كي يتم دفعها بأسرع وقت ممكن. أضاف: بطلب من دولة الرئيس ميقاتي، سيتم إرسال إشعارات من مؤسسة “كهرباء لبنان” مباشرة إلى وزارة المالية وبهذه الطريقة تتجمع كل الإشعارات في وزارة المالية ويتم دفع المبلغ مرة واحدة قبل نهاية العام، وتبلغ قيمتها حوالي 60 مليون دولار ليدخل هذا المبلغ في حساب مؤسسة الكهرباء، عندها يمكن للمؤسسة أن تفي جزءاً من مستحقات العراق وهو الجزء الذي تمّ التوافق عليه في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة والتي يجب على الشركة أن تسدّدها. ولفت إلى أن “هناك مليوناً ونصف مليون طن، ومؤسسة الكهرباء مستعدّة لتسديد ثمن نصف مليون طن بالليرة اللبنانية ليدخل في حساب دولة العراق لدى المصرف المركزي”.
وليس بعيداً، استقبل فياض سفير الجزائر لدى لبنان رشيد بلباقي وتناول البحث تفاصيل هبة “الفيول أويل” التي أعلنت الجزائر عن نيّتها تزويد لبنان بها بناءً على توجيهات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لمساعدة لبنان في تخطّي أزمة العتمة الشاملة. وشكر الوزير فياض السفير بلباقي على مبادرة الجزائر، مثمّناً “وقوفها الدائم الى جانب لبنان في مختلف المجالات”. وتم الاتفاق على استكمال البحث لتحديد كمية الهبة وموعد وصولها.
وفي سياق ذلك، مثل الوزير فياض أمام النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار في قصر العدل في بيروت حيث باشر الاستماع إلى إفادته في ملف الكهرباء. وكان الحجار استمع قبل ذلك إلى المدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان كمال الحايك الذي غادر من دون الإدلاء بأي تصريح.