فقدت مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة أهليتها من الدوحة الى القاهرة، بعد إحجام حركة المقاومة الاسلامية حماس عن المشاركة فيها، ما يؤكد أن الحركة التي سبق وأعلنت موافقتها على طرح الرئيس الأميركي جو بايدن في 2 تموز الفائت، تدرك أن المفاوضات الجديدة هي عبارة عن فخ ينصبه نتنياهو لتمرير بنود صفقة إسرائيلية تحفظ ماء وجهه وتؤكد هزيمة المقاومة.
الكلام الاسرائيلي عن تفاؤل في سير المفاوضات والحديث عن محادثات بناءة وواعدة، كل ذلك لا يقدم ولا يؤخر في الميدان الملتهب بالجرائم الصهيونية، طالما أن حماس غير راضية أو ربما غير معنية، وهي بالأساس لم تعد تستطيع أن تقدم أي تنازل أو أن تتراجع عن أي مطلب، أو أن تقبل بما يحمله نتنياهو من بنود جديدة خصوصا لجهة بقاء الاحتلال في معبر فلادليفيا وضمن معبر نتساريم، وتجاهل وقف إطلاق نار بشكل دائم.
ولا شك أن الاسرائيليين من مسؤولين وأجهزة أمنية وعسكرية طلبوا من حكومة نتنياهو الانسحاب من قطاع غزة وإنهاء الحرب، خصوصا أن وجود الجنود الصهاينة في معبريّ فلادلفيا ونتساريم يعرضهم لهجمات على مدار الساعة، ويحصد منهم يوميا القتلى والجرحى، الأمر الذي يعتبره الجيش الاسرائيلي حرب إستنزاف لا طائل منها، لذلك فقد وجه تحذيرا لنتنياهو للانتباه الى ما يمكن أن يتعرض له الجيش من إنهيار في حال إستمر الوضع على ما هو عليه، في ظل إنعدام القدرة على تحقيق أي هدف من أهداف الحرب.
بات واضحا، أن إسرائيل لا تمتلك رؤية واضحة للمشهد الاقليمي ولا لمستقبل حربها على غزة، كما أن أميركا لا تملك أن تضغط على نتنياهو لوقف إطلاق النار ولإتمام صفقة التبادل وفقا لرؤية الرئيس جو بايدن في الثاني من تموز.
لذلك، فإن نتنياهو يريد الاستمرار في الحرب ولو من دون أفق، ويسعى في الوقت نفسه الى إطالة أمد المفاوضات حيث يجري محادثات من دون طائل، مرة مع الوسطاء في الدوحة وأخرى مع المصريين في القاهرة، ثم ينتظر إرسال النتائج الى حماس وهو يدرك أنها لن توافق عليها كونها تصب كلها في خدمة إسرائيل، ثم يفتش عن مفاوضات أخرى، وذلك بهدف إرضاء مكونات المجتمع الاسرائيلي سواء من يريد منهم الحرب، أو من يريد منهم إتمام صفقة التبادل للافراج عن الأسرى لدى حماس، أو من يريد منهم وقف إطلاق النار، فضلا عن إخماد نار الخلافات والانقسامات العمودية السياسية والعسكرية والأمنية، حيث يخشى نتنياهو في حال توقفت الحرب خلال فترة قصيرة، فإن إستقالات بالجملة ستحصل من الحكومة ومن الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى، ما يُعتبر أول مؤشرات سقوطه تمهيدا لمحاكمته.
أما إدارة الرئيس بايدن، فتلعب لعبة كسب الوقت، وتسعى الى إستمرار المفاوضات بأي شكل من الأشكال، من أجل توظيفها سياسيا في الانتخابات الرئاسية الاميركية، والتأكيد أن بايدن يعمل بكل جهد على إنجاح المفاوضات وهو يقدم المقترحات الواحد تلو الآخر من أجل الوصول الى وقف إطلاق النار في غزة وإتمام صفقة التبادل، وهو أمر قد يساعده في الترويج لحملة كامالا هاريس التي تشير كل إستطلاعات الرأي أن إعلان فشل المفاوضات والذهاب نحو حرب شاملة سيؤدي الى خسارة الحزب الديمقراطي الذي لن تتوقف خسارته على الرئاسة بل سيتعداها الى سائر الاستحقاقات الأخرى، ما قد يعرض بايدن ونائبته هاريس الى المساءلة عن الفشل في إدارة مرحلة ما بعد 7 أكتوبر.
غسان ريفي – سفير الشمال