تتصرف حكومة تصريف الأعمال برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي في الآونة الأخيرة تصرف الواثق بقدراته والإجراءات التي اتخذتها في اجتماعاتها، على مواجهة التداعيات الصعبة المحتملة إذا ما ازدادت الأوضاع احتداما وتصعيدا في الجنوب ولامست حد الحرب الموسعة البلا حدود.
ويبرز السؤال الملح: هل يمكن هذه الحكومة أن تدعي أنها “أدت قسطها للعلى” وقامت بما يتوجب عليها في موقف على هذا المستوى من السخونة والتعقيد والتصعيد؟
منذ الأيام الأولى لاندلاع المواجهات على الحدود الجنوبية في 8 تشرين الأول الماضي، بادرت الحكومة إلى إطلاق النفير، فسارعت إلى الإعلان عن حزمة تدابير وإجرءات تمخضت عن اجتماعات ولقاءات عقدتها، تحت عنوان المساهمة في معالجة الأوضاع الإنسانية والإغاثية التي يمكن أن تنشأ في حال احتدام المواجهات وارتفاع منسوب النزوح السكاني، خصوصا في ما صار يعرف بقرى الحافة الأمامية، وهي البقعة الجغرافية التي كانت تسمى في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات قرى الشريط الحدودي.
الأمر احتاج بداية إلى ورش عمل ولقاءات جانبية شارك فيها ممثلون لجهات حكومية معنية ومنظمات وهيئات دولية وجمعيات أهلية.
وبالفعل، انبثقت خلية أزمة مركزية برئاسة وزير البيئة ناصر ياسين حدد لها سلسلة مهمات وأعطيت حق الإشراف والتنسيق مع جهات وإدارات معنية وذات صلة بأعمال الإغاثة والإيواء وما إلى ذلك، وفي المقدمة برز مجلس الجنوب الذي كان قبلا نسيا منسيا. وقد اقتطع هذا المجلس لنفسه مهمة الإشراف على مراكز الإيواء التي استحدثت خصوصا في صور (نحو خمسة مراكز) وكانت عبارة عن أبنية مدرسية لجأت إليها نحو ثلاثة آلاف عائلة من القرى الحدودية.
وقد نجح المجلس رغم إمكاناته المحدودة في تأمين حاجات الإيواء الأولية من فرش وأدوات مطبخية ومواد تنظيف، إضافة إلى توفير وجبات وحصص غذائية وتأمين الطبابة والاستشفاء والأدوية. وثمة فرق متخصصة فرزها المجلس للإشراف مدى 24 ساعة على شؤون النازحين وتأمين مطالبهم. كذلك كانت له نشاطات أخرى خارج هذه المراكز، ومنها حيال الأهالي الذين آثروا الصمود في قراهم ورفضوا الالتحاق بمن سبقهم من النازحين.
وفي العموم، كان ثمة شبكة أمان وإغاثة أمنت لرعاية النازحين من جهة وللتواصل مع الصامدين في القرى الأمامية من جهة أخرى، مضافا إليها فرق الأسعاف والدفاع المدني المستعدة على مدار الساعة والمستنفرة لإسعاف المصابين ونقلهم وإطفاء الحرائق ورفع أنقاض البيوت التي هدمها العدوان.
ولم تكن الجهات الرسمية المعنية هي المتصدية الوحيدة لهذه المهمة الشاقة، بل شاركتها فيها جهات حزبية وجمعيات إنسانية وهيئات إغاثة دولية، وإن اشتكى الجميع من قلتها وندرتها وتواضعها قياسا بتجارب سابقة.
وفي كل الأحوال، ثمة من يرى أن كل ذلك هو ما حال دون أن ترتفع الأصوات الشاكية والمعربة عن استيائها من الفوضى والشح، نسجا على تجارب سابقة، على رغم ما خلفه العدوان الإسرائيلي من نتائج كارثية وخسائر ضخمة. وثمة سبب آخر منع الجهر بالشكوى، هو أن القوى التي تواجه هي عينها تلك الممثلة في الحكومة وتساهم في اتخاذ قراراتها.
لكن الوضع تبدل بعيد الأجواء والمناخات المحتقنة والمتوترة التي سرت إثر اغتيال إسرائيل القيادي في “حزب الله” فؤاد شكر، والتي أنذرت بدورة جديدة تصعيدية من العنف، خصوصا أن الحزب توعد بالثأر والانتقام من تل أبيب على فعلتها، وردت هي بوعد برد موجع على رد الحزب، بل توعدت بهجوم استباقي على معاقله، وهو ما أعاد إلى الأذهان صورة حرب تموز عام 2006.
على الأثر، وجدت الحكومة نفسها أمام مهمة إيجاد مساحة أكبر من الاهتمام ومواجهة الاحتمالات السلبية التي بدأت تلوح في الأفق وتبدو كأمر حاصل.
وبناء على هذه الوقائع، دعا ميقاتي أعضاء حكومته ليكونوا جميعا بمثابة “خلية أزمة” أوكل إلى معظم أعضائها وخصوصا الوزراء ذوي الاختصاص (الصحة، الشؤون الاجتماعية، الداخلية، التربية والتعليم)، مهمات محددة وطلب منهم النزول فورا إلى الميدان لإثبات حضورهم كدولة إلى جانب الأهالي والتحضير للقيام بما هو متوجب عليهم لتخفيف معاناة الناس. وبالفعل سجلت جولات ميدانية للعديد من الوزراء المولجين ولاسيما وزير الصحة.
واللافت أن الحكومة ضخمت، في الاجتماعات المتتالية التي عقدتها لهذه الغاية، المهمات المتصدية لها ووسعت حجم وعودها. وذكرت في بيانها في هذا الإطار أن المناقشات والأبحاث التي أجراها أعضاؤها “تركزت على الخدمات الطارئة على الصعد الصحية والإيوائية والتموينية والغذائية والمحروقات، إضافة إلى جهوزية خلايا الطوارىء في المناطق، ونتائج الاتصالات بالمنظمات الدولية المعنية وهيئات المجتمع المدني الشريكة في تنفيذ خطة الطوارىء”، وهي الخطة التي أقرت عموما.
وأبلغ وزير شؤون المهجرين في الحكومة عصام شرف الدين إلى “النهار” أن التدابير التي أعلنت الحكومة أنها اتخذتها أخيرا “كان لا بد منها وهي تدابير استباقية في حال اتساع رقعة المواجهات في الجنوب إلى حدود الحرب، وتخطي عديد النازحين من الجنوب ال200 ألف”. وأضاف ردا على سؤال: “لقد وزعت المهمات على كل وزير، فقد نيطت مهمة إيواء النازحين بوزارة التربية الوطنية والتعليم العالي، لكون عدد من المدارس والمعاهد الرسمية سيكون من ضمن مراكز الإيواء. وكان بديهيا أن تناط مهمة تأمين الاستشفاء والطبابة والأدوية والمستلزمات الطبية ومعالجة الجرحى مجانا بوزارة الصحة العامة، فيما أوكلت إلى وزارة الاقتصاد مهمة تأمين المواد الغذائية والخبز.
أما وزارة الداخلية فقد أوكل اليها التنسيق مع المحافظين لأن الاعتمادات التي ستصرف ستكون عبارة عن سلف مساعدات، وهو أمر يحتاج إلى التنسيق مع المحافظين الذين ستوكل اليهم مهمة الإنفاق وتوزيع المساعدات المادية والعينية”.
وخلص شرف الدين: “يمكن أن يكون لدى البعض ملاحظاته على بعض بنود هذه الخطة، ولكن أعتقد أنها أفضل الممكن ضمن الظروف والمعطيات المعروفة، والمهم أن الحكومة لا تتهرب من مسؤولياتها”.
ابراهيم بيرم – النهار