أصبح معلوما ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يراوغ بالقبول في اتفاق لوقف اطلاق النار في غزة حتى حصول الانتخابات الرئاسية الاميركية مستفيدا من التناقضات وحاجة الجمهوريين والديمقراطيين للوبي الإسرائيلي واليهودي في أميركا، كما ان كن يريد وقف لاطلاق النار في غزة لا يشن اعنف هجوم على الضفة الغربية في تصعيدٍ خطير ينذر بالخطر الكبير الذي يواجهه الفلسطينيون في فلسطين المحتلة، وهذا يعني استمرار جبهة الاسناد الجنوبية في دعم غزة حتى الوصول الى الاتفاق وقبول المقاومة فيه، وبالتالي فان الجبهة اللبنانية دخلت مرحلة من الاستنزاف السياسي والعسكري بين هبات باردة وساخنة لكنها محكومة بتوازن الردع، ولا يلغي ذلك امكان قيام اسرائيل بعمليات اغتيال رغم استعادة المقاومة قواعد اللعبة والحفاظ على المدنيين، واستبعاد قصف الضاحية في المدى المنظور.
وتشرح مصادر متابعة وموثوق بها سير التطورات السياسية والعسكرية ومأزق المفاوضات، لا بل فشلها في الدوحة والقاهرة والدوران في حلقة مفرغة نتيجة مراوغات نتنياهو واصراره على الحسم العسكري والوصول إلى رئيس المكتب السياسي لحماس يحيى السنوار وقتله، والافراج عن الاسرى بالقوة، فيما هدفه من المفاوضات استكمال مجازره تحت هذا الغطاء، وهل اسرائيل بحاجة الى الوجود على المعابر للمراقبة في ظل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والتعاون الأمني مع مصر والمخابرات العربية والامن الوطني الفلسطيني؟
وحسب المصادر المتابعة والموثوق بها، حماس تريد اولا وقبل اي شيء اخر، وقفا شاملا و فوريا لاطلاق النار من اجل اراحة أهالي غزة من معاناتهم، وبعدها المفاوضات على الانسحاب الشامل وفك الحصار والبدء بالاعمار، والمعابر، واطلاق الاسرى الاسرائيليين والافراج عن المعتقلين الفلسطينيين، فيما نتنياهو يناور ويضع يوميا شروطا جديدة، واذا تم حل بند معين يأتي في اليوم الثاني ببند تعجيزي جديد بغطاء أميركي شامل لاعطائه المزيد من الوقت للحسم العسكري لدواع انتخابية رئاسية للديموقراطيين.
وحسب المصادر المتابعة للتطورات السياسية والموثوق بها، الكلمة ما زالت للميدان حتى اشعار اخر، والاستنفار العسكري على حاله مع تركيز اسرائيلي على جبهة الشمال نتيجة قوة المقاومة وجهوزيتها ومسيراتها التي لا تغيب يوما واحدا عن سماء فلسطين المحتلة تراقب الكبيرة والصغيرة، وهذا لا يعني غياب المسيرات الاسرائيلية عن الاجواء اللبنانية، بالإضافة إلى الطائرات الاميركية والبريطانية والدولية التي تعمل في خدمة اسرائيل وتقدم لها كل انواع التكنولوجيا المتطورة والذكاء الاصطناعي والبصمات، هذا التطور التكنولوجي ساهم مع بعض الأخطاء التقنية في نجاح بعض الاغتيالات، مع العلم ان هناك العشرات من العمليات الفاشلة التي لم تكشف عنها اسرائيل، ومن بين ٧ الى ٨ محاولات فاشلة كانت هناك عملية اغتيال ناجحة، والعمليات الاخيرة استهدفت اداريين وعسكريين، وليس هناك من خلاف او نقاش بالنسبة الى التفوق الاسرائيلي في المجالات الجوية والبحرية والتكنولوجيا، لكن الميدان اثبت ان جسم المقاومة سليم ومتين ومعافى من اي خروقات بشرية لبنانية او سورية، ولا قدرة للعملاء حتى إذا وجدوا على تنفيذ هكذا عمليات في هذه المستويات، مع العلم ان الجميع يعرف طبيعة الأحداث في سوريا على مساحة ١٦٠ الف كيلومتر والتي كشفت الكثير من الاوضاع مع وجود كل مخابرات الأرض المعادية.
وحسب المصادر نفسها، على الذين يزايدون على المقاومة ان يدركوا، انها تحارب على مدى ١١ شهرا أقوى قوة في الشرق الاوسط، مدعومة من اميركا وبريطانيا واوروبا عسكريا وماليا ومعلوماتيا، واستطاعت المقاومة رغم موازين القوى لمصلحة هذه الدول الصمود والقتال واعتماد تكتيكات اذهلت الخبراء العسكريين، والرد على المسيرة بالمسيرة والصاروخ بالصاروخ، لكنها لا تملك الطائرات الحربية والزوارق البحرية العملاقة بل تملك الإيمان بعدالة القضية، وبهذا الإيمان تقاتل المقاومة مصحوبة بشجاعة القيادة وصلابة قائدها الذي يملك جرأة القرار، ورد على عملية اغتيال القائد فؤاد شكر رغم وصول البوارج الاميركية والتهديدات بالحروب والويل والثبور وعظائم الامور، وعلى هؤلاء ان يدركوا ايضا، ان مسيرات المقاومة وصواريخها وصلت الى كل المواقع العسكرية الاسرائيلية في الشمال وقصفتها بدقة ورصد ت حركة كبار الضباط، وهذا الامر الا يعد تفوقا امنيا للمقاومة في كشف كل هذه المواقع ؟ الا يعد تجنب المدنيين الاسرائيليين من قبل المقاومة عملا اخلاقيا فقد حاليا من القاموس العسكري، وهذا يعود ايضا الى حرص المقاومة على ناسها وأهلها وتجنيبهم القصف الاسرائيلي المضاد، ولم يتجاوز عدد الشهداء المدنيين الـ ٥٠ بعد ١١شهرا من القتال، هذا النهج الأخلاقي يمثل مدرسة جديدة في القتال، ونموذجا معاكسا جذريا للاجرام الاسرائيلي في غزة.
الرد المدروس للسيد نصرالله حسب المصادر نفسها، ادخل الارتياح الى كل اللبنانيين الذين اشادوا بحكمته وجرأة قراره المستند الى حماية الناس وعدم توسعة الحرب وتدمير البلد وإغراق اقتصاده بمزيد من المشاكل، وبعد الرد المدروس، شهد البلد مناخات مختلفة وعودة الحياة الى العاصمة والمناطق اللبنانية وانطلاق التحضيرات لبدء العام الدراسي وموسم الشتاء، والسؤال الى الذين ينتقدون حجم الرد ومحدوديته، هل هم يريدون تدمير البلد وانهاكه ؟ هل هم يقدرون مدى العبء الكبير على سيد المقاومة بين اخذ لبنان وسوريا وايران والعراق واليمن الى الحرب الكبرى والشاملة وما تخلفه، وبين الرد المدروس على اكبر قاعدة عسكرية اسرائيلية تشرف على كل المؤسسات الاستراتيجية ؟ وعلى الذين يتحدثون عن محدودية الرد عليهم مطالبة الاسرائيليين بنشر صور حديثة للقاعدة ٨٢٠٠، بدلا من التكتم ومنع نشر الاخبار العسكرية، والجميع يعلم انه عندما ادعت اسرائيل بوجود صواريخ للمقاومة في المطار ومحيطه، نظمت العلاقات الاعلامية في حزب الله جولة للاعلاميين المحليين والغربيين، وتم دحض هذه المعلومات كما نظم الوزير باسيل جولة للديبلوماسيين يومذاك واكتشفوا زيف الادعاءات الاسرائيلية، واذا كانت قاعدة ٨٢٠٠ لم تصب بصواريخ المقاومة، لماذا لا تسمح اسرائيل للصحافيين بدخولها ؟ علما ان مرور المسيرات فوق هذه القاعدة الاستراتيجية هو أكبر انجاز عسكري.
الديار