كتبت صحيفة “النهار”: جاء تصويت مجلس الأمن الدولي بالإجماع أمس على مشروع قرار يمدّد الولاية الحالية لقوة اليونيفيل في جنوب لبنان لمدة عام واحد، في وقت بالغ الحساسية والدقة بعد نحو 11 شهراً من المواجهات الميدانية بين إسرائيل و”حزب الله”، الأمر الذي أطاح واقعيا أو علّق على الأقل مهمة اليونيفيل كما الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني. وبهذا التمديد لـ”اليونيفيل”، فإن الدلالات البارزة التي واكبته تعكس التوافق الدولي الذي لا جدل حياله على اعتماد المظلة الدولية والقرار 1701 تحديداً وسيلة حصرية لإعادة تثبيت الاستقرار في الجنوب وبين لبنان وإسرائيل، الأمر الذي كانت الحكومة اللبنانية تعول عليه بقوة.
ويؤكد نصّ المسوّدة القصيرة لقرار التمديد الذي صوّت عليه مجلس الأمن التزام المجلس بالقرار 1701، ويطالب بتنفيذه بالكامل، وهو القرار الذي أعاد تشكيل ولاية اليونيفيل في عام 2006 في ضوء الحرب بين إسرائيل و”حزب الله” ودعا إلى وقف الأعمال العدائية بين الطرفين. كما أكد القرار “أهمية وضرورة تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط”.
وفي رسالة مؤرخة في 24 تموز (يوليو) الماضي، أوصى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بأن يجدّد المجلس ولاية اليونيفيل لمدة عام واحد، مشيراً إلى طلب لبنان في 24 حزيران (يونيو) الماضي تمديدها لمدة عام واحد وتجديد الولاية وفقاً للقرار 1701 و”من دون أي تعديلات على ولايتها ومفهوم عملياتها وقواعد الاشتباك الخاصة بها”.
وقد شاركت فرنسا، المسؤولة عن صياغة القرار بشأن لبنان، في مسودة أولى للقرار مع أعضاء المجلس في 16 آب (أغسطس) الجاري وقدمت النص خلال المشاورات المغلقة في 19 آب (أغسطس) بشأن اليونيفيل. وفي أعقاب اجتماع تفاوضي غير رسمي في 20 آب (أغسطس)، وزعت المسؤولة عن صياغة القرار مسودة منقحة أولى في اليوم التالي والتي نوقشت خلال اجتماع تفاوضي غير رسمي ثانٍ في 23 آب (أغسطس).
ثم وزعت فرنسا مسودة منقحة ثانية في 26 من الشهر الحالي ووضعتها تحت الصمت حتى صباح 27 آب (أغسطس). وكسرت الولايات المتحدة الصمت، وبعد ذلك أرسل العديد من الأعضاء تعليقاتهم. وبعد فترة وجيزة، وضعت المسؤولة عن صياغة القرار مسودة منقحة ثالثة مباشرة باللون الأزرق. وجرى التصويت على مشروع القرار صباح أمس بتوقيت نيويورك في حين كان من المتوقع أصلاً أن يتم التصويت عليه اليوم.
واختارت فرنسا نصاً موجزاً أشار إليه الديبلوماسيون باعتباره تجديداً مباشراً أو تمديداً فنياً. ويشير مصطلح “التجديد المباشر” إلى نص قصير ينص على أن تفويض عملية السلام سيتم تنفيذه وفقًا لقرار أو قرارات سابقة يتم فيها تفصيل التفويض بمزيد من التفصيل. كما يستخدم “التجديد الفني” لوصف قرار موجز يمدد تفويض عملية السلام من دون تغيير تفويضها الأساسي أو مهامها، ولكنه يشير تقليدياً إلى تمديد لفترة أقصر من المعتاد. وبدا أن فرنسا اختارت اقتراح نص قصير في ضوء الوضع المتغير على الأرض ومن أجل تعزيز نهج مركّز على قضايا مثل تبادل إطلاق النار عبر الخط الأزرق والحاجة إلى خفض التصعيد.
ويبدو أن هذا النهج كان يهدف أيضاً إلى تجنب تعثر المفاوضات بسبب قضايا أثبتت جدلية في الماضي، مثل اللغة المتعلقة بحرية حركة اليونيفيل.
وطلبت الولايات المتحدة في البداية بحذف، ثم بتحديد اللغة التي “طالبت” في المسودة الأولى للقرار “باستعادة وقف الأعمال العدائية عبر الخط الأزرق”. ولكن أعضاء آخرين في المجلس لم يجدوا أن النص الذي يطالب بإعادة إرساء وقف الأعمال العدائية على طول الخط الأزرق يمثل مشكلة وأيدوا إدراجه في مشروع القرار. ويبدو أن بعض الأعضاء فسّروا طلب الولايات المتحدة، أقرب حليف لإسرائيل في مجلس الأمن، على أنه نابع من الرغبة في تجنب تقييد قدرة إسرائيل على القتال ضد “حزب الله” من خلال إدراج طلب مباشر بوقف الأعمال العدائية.
كما كان طول مدة التفويض قضية خلافية رئيسية أثناء المفاوضات. ويبدو أن الولايات المتحدة دعت في البداية إلى تجديد التفويض لمدة ستة أشهر بدلاً من عام واحد اقترحه حامل القلم. ولكن جميع أعضاء المجلس الآخرين أيدوا تجديد تفويض اليونيفيل لمدة 12 شهراً، حيث لاحظ البعض أن هذا من شأنه أن يرسل رسالة الدعم والاستقرار اللازمة للبعثة والمنطقة.
ولا “يطالب” القرار الصادر باستعادة وقف الأعمال العدائية عبر الخط الأزرق. وبدلاً من ذلك، تم تعديل اللغة المستخدمة في المسودة الأولى لتكرار “دعم المجلس القوي للاحترام الكامل للخط الأزرق ووقف الأعمال العدائية بالكامل” والمطالبة بتنفيذ القرار 1701. كما تم تضمين نص يذكّر “بهدف التوصل إلى حل طويل الأمد يقوم على المبادئ والعناصر المنصوص عليها في الفقرة 8 من القرار 1701″ في الفقرة نفسها. وتتضمن هذه المبادئ الاحترام الكامل للخط الأزرق، و”الترتيبات الأمنية” مثل “إنشاء منطقة خالية من أي أفراد مسلحين أو أصول أو أسلحة” بخلاف تلك التابعة للحكومة اللبنانية وقوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان.
كما تمت إضافة فقرة منفصلة أثناء المفاوضات تحضّ “جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة” على تنفيذ تدابير خفض التصعيد، “بما في ذلك بهدف استعادة الهدوء وضبط النفس والاستقرار عبر الخط الأزرق”. واعتبر بعض الأعضاء إضافة هذه الفقرة، التي تتناول التصعيد الحالي بشكل منفصل عن الفقرة التي تعيد التأكيد على الإطار الذي أنشأه القرار 1701، بمثابة محاولة للتخفيف من حدّة المخاوف التي عبرت عنها الولايات المتحدة.
ويمدّد القرار تفويض اليونيفيل لمدة سنة واحدة من دون التعبير عن نية المجلس في تكييف تفويض البعثة في ضوء الاتفاقات المستقبلية المحتملة التي توصّل إليها الطرفان. وفي الوقت نفسه، يتضمن مشروع القرار فقرة تشجع “الأمين العام على ضمان بقاء قوات اليونيفيل على استعداد لتكييف أنشطتها لدعم خفض التصعيد، في إطار ولايتها وقواعد الاشتباك الخاصة بها”.
وقد أكد ممثل الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي، أن “أفعال “حزب الله” تهدّد المدنيين في كل من إسرائيل ولبنان” وأضاف في جلسة التمديد لـ”اليونفيل”: “لا يجب أن يكون لبنان منطلقًا لهجمات على إسرائيل” وتابع: “الاستقرار والهدوء يعودان عند وجود آليات تنفيذ للقرار عند الخط الأزرق”. وقال: “يجب إنشاء منطقة جنوب الليطاني خالية من الأسلحة إلاّ أسلحة الجيش اللبناني واليونيفيل”.
من جهتها، شددت ممثلة فرنسا في مجلس الأمن الدولي خلال الجلسة على أن “على إيران ومن يدعمها التوقف عن الأعمال الاستفزازية”. وأضافت: “على الأطراف التوقف عن انتهاك الخط الأزرق”، وحذّرت من أن “خطر اندلاع الحرب في جنوب لبنان كبير”.
ميقاتي
وسارع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مساء أمس إلى التعليق على تصوّيت مجلس الامن الدولي بالاجماع على قرار التمديد لـ”اليونيفيل”سنة إضافية معرباً عن “امتنان لبنان العميق لأعضاء مجلس الأمن على جهودهم الدؤوبة في تجديد ولاية “اليونيفيل”، وأخص بالذكر دولة فرنسا حاملة القلم على كل ما بذلته من جهود في سبيل تأمين الإجماع على هذا الامر، وعلى كل ما تبذله من أجل لبنان والاستقرار فيه.
كما نتوجه بالشكر الى الولايات المتحدة الأميركية على تفهمها الخصوصية اللبنانية التي لم تدخر جهداً في سبيل الحفاظ على مهام اليونيفيل لا سيما في هذا الظرف الدقيق … ونؤكد التزام لبنان العمل بشكل وثيق مع اليونيفيل لمواجهة التحديات والتهديدات التي تواجه الاستقرار في الجنوب. كما نجدّد التزام لبنان تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة وفي مقدمها القرار 1701”.
سخونة
المفارقة أن يوم أمس سجل حماوة ميدانية أعادت السخونة التدريجية إلى الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية، فسُجلت 4 غارات إسرائيلية استهدفت أطراف تومات نيحا في البقاع الغربي. كما قصفت مسيّرة إسرائيلية سيارة على طريق دمشق- بيروت قرب جسر الزبداني أدت الى سقوط 4 قتلى من بينهم عنصر من “حزب الله” هو محمد طه من بعلبك فيما الثلاثة الآخرون فلسطينيون من “حركة الجهاد الإسلامي”.
وكانت مسيّرة إسرائيلية استهدفت منتصف الليل شاحنة صغيرة “بيك أب” على الطريق الدولية بعلبك- حمص، في محلّة رسم الحدث- شعت شرق بعلبك وسُمعت اصوات انفجارات في المحلة تبين انها ناجمة عن انفجار الذخائر التي كانت تحملها الشاحنة. وأفاد مصدران أمنيان “رويترز” أنّ الضربة أصابت سيّارة نقل صغيرة، كانت تحمل معدّات عسكريّة. ورجّح أحد المصدَرين أن المعدّات العسكرية التي كانت تنقلها كانت منصّة إطلاق صواريخ معطّلة وكان نقلها بغرض إصلاحها.
في المقابل، أعلن “حزب الله” أنه ردّ على الاعتداء الذي طاول منطقة البقاع ليل الثلثاء بهجوم جوي بمسيّرة انقضاضية على المقر المستحدث للواء الغربي للجيش الإسرائيلي جنوب مستعمرة يعرا مستهدفاً أماكن تموضع واستقرار ضباطه وجنوده.
استقالة كنعان
هذه التطورات لم تحجب تطوراً بارزاً في المشهد الداخلي عكس تفاقم التفكك الداخلي في صفوف “التيار الوطني الحر” عبر استقالة النائب الرابع من تكتله النائب ابراهيم كنعان الذي تقدم أمس باستقالته من “الإطار التنظيمي” للتيار. وجاءت استقالة كنعان بعد استقالة وإقالة كل من نائب رئيس مجلس النواب إلياس بوصعب والنائبين الان عون وسيمون أبي رميا لتبرز المدى العميق لتهاوي الثقة بالقيادة التي يتولاها رئيس التيار النائب جبران باسيل من جهة، وانعدام الأمل بدور رادع لمؤسس التيار الرئيس السابق ميشال عون لـ”تسلط” باسيل وتفرّده من جهة أخرى.
وأشار كنعان إلى أنه بعدما أطلق نداء لإعادة جمع الشمل في التيار “انسجاماً مع قناعاتي ومسيرتي ونزولاً عند رغبة القاعدة التيارية والعونية، وبما أن محاولتي للمّ الشمل والحفاظ على قوة المجموعة بوحدتها، لم تلقَ آذاناً صاغية لم يبقّ أمامي سوى خيار الاستقالة من الإطار التنظيمي للتيار الوطني الحر”.
وسارع “التيار” إلى الردّ على حسابه الرسمي معلقاً: “بعد أن تمّ استدعاؤه البارحة إلى مجلس الحكماء، وبعد رفضه الحضور ثلاث مرات متتالية إلى الهيئة السياسية وعلى جدول أعمالها الوضع الداخلي للتيار، وعلى الرغم من تبليغه الدعوة على مجموعة الهيئة السياسية للتيار وعلى خطّه المباشر، وعلى الرغم من تحديد موعد له نهار الجمعة المقبل مع رئيس التيار، اختار كنعان أن يقدّم استقالته من التيار في الاعلام، على أن يصدر التيار البيانات والمعلومات التفصيلية عن الموضوع لاحقا”ً.