الإثنين, سبتمبر 16

هل يعود جنوب لبنان بعد التطورات الأخيرة لقواعد الاشتباك؟

شكل خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله مساء الأحد الماضي، حلقة اطمئنان مرحلية للجنوبيين واللبنانيين ممّن عاشوا ثلاثة أسابيع ونيفاً من حبس الأنفاس، أي منذ اغتيال القيادي في الحزب فؤاد شكر في الـ30 من يوليو (تموز) الماضي، بانتظار رد الحزب على عملية الاغتيال وقصف الضاحية الجنوبية لبيروت، وخشيتهم من وقوع حرب حذرت منها دول إقليمية وعالمية عدة، في وقت غاص محللون لبنانيون وإعلاميون في تقديراتهم وتوقعاتهم عن حرب كبيرة مقبلة، تسببت في حال من الخوف والقلق في نفوس اللبنانيين، لا سيما الجنوبيين.

ويكمن الاطمئنان في عبارات استخدمها نصرالله ضمن خطابه المتلفز الذي تلى عملية الرد التي حصلت فجر الأحد الماضي تحت اسم “يوم الأربعين” بقوله “في المرحلة الحالية لبنان يقدر أن يأخذ نفسه ويرتاح، ونحن أعلنّا انتهاء العملية لهذا اليوم، والعدو أعلن أن ما جرى اليوم انتهى”، مخاطباً اللبنانيين “عودوا إلى منازلكم”. بعدها مساء، انطلقت في النبطية والجوار مواكب سيارة ودراجات نارية أطلقت أبواقها وأضواءها بما يشبه الاحتفاء بالرد وبانتهائه على حد سواء.

عائلات نازحة تعود

ولوحظ في اليوم التالي أن سكان المناطق الجنوبية الخلفية تنفسوا الصعداء “نوعاً ما” وعاد كثير من العائلات الجنوبية إلى المدن الرئيسة وبلدات وقرى أقضية النبطية وصور وصيدا والزهراني، بعدما كانت نزحت إلى خارج الجنوب في ظل التهديدات بالرد والحرب التي ارتفعت وتيرتها بعد غارة الضاحية الجنوبية واغتيال شكر. طبعاً لم تشمل هذه العودة قرى وبلدات المواجهة الحدودية الأمامية الخالية تماماً من سكانها بفعل الحرب الدائرة منذ نحو 11 شهراً متتالية.

انحسار الأخطار؟

وأكد رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال سي كيو براون من جهته أن “الأخطار على المدى القريب لاتساع رقعة الحرب في المنطقة انحسرت إلى حدّ ما، بعد تبادل إسرائيل و’حزب الله‘ في لبنان إطلاق النار من دون حدوث مزيد من التصعيد، لكن إيران لا تزال تشكل خطراً كبيراً بدراستها توجيه ضربة لإسرائيل”، مضيفاً بعد سؤاله عما إذا كان خطر اندلاع حرب إقليمية انخفض في الوقت الراهن، بعبارة “إلى حد ما… نعم”. وعندما سُئل عن القدرات العسكرية لـ”حزب الله”، خصوصاً بعد الضربات التي شنتها إسرائيل، قال براون “لا تزال لديه القدرة”.

ميدانياً، كثفت إسرائيل من غاراتها الجوية على عدد من الأودية والتلال القريبة من ضفتي مجرى نهر الليطاني وقرب قلعة الشقيف (الصليبية) وأطراف بلدات عدة جنوب نهر الليطاني، تحديداً على كفركلا وجوارها وعيتا الشعب والمجادل وطير حرفا والناقورة، وكان دوي هذه الغارات يسمع إلى مناطق واسعة في جنوب لبنان. وتشير مصادر أمنية متابعة إلى أن دوي هذه الانفجارات القوية ناجمة عن استخدام الإسرائيليين قنابل ارتجاجية وتدميرية ضخمة.

قنابل ارتجاجية في الأودية

وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو مصوّراً لوديان تقع على مجرى نهر الليطاني وأخرى قريبة من بلدة زبقين في قضاء صور يبيّن حجم الدمار في الأحراج والحقول التي سقطت فيها قذائف وصواريخ الطائرات الحربية الإسرائيلية الارتجاجية، إبان العملية التي أعلن الجيش الإسرائيلي أنه شنّ من خلالها “ضربات استباقية في لبنان (الأحد الماضي) بعد رصده استعدادات ’حزب الله‘ لشنّ هجمات واسعة النطاق ضد إسرائيل التي أعلنت حال الطوارئ”، وأضاف الجيش الإسرائيلي أن “نحو 100 طائرة مقاتلة قصفت ودمرت الآلاف من قاذفات الصواريخ التابعة للحزب التي كانت موجهة لإطلاق النار فوراً نحو شمال إسرائيل ووسطها”.

قاعدة اشتباك جديدة

وبرأي نائب رئيس مركز “كارنيغي للشرق الأوسط” الباحث مهند الحاج علي، أن “قواعد الاشتباك التي كانت قائمة اخترقت من قبل الإسرائيليين بعملية اغتيال فؤاد شكر، مما يعني تحوّلها إلى قواعد اشتباك جديدة فرضها الإسرائيلي رداً على سقوط مدنيين في مناطق سيطرته حتى لو كانت في الجولان المحتل، فيردّ عليها بقصف الضاحية الجنوبية لبيروت ويقتل قيادياً في ’حزب الله‘ بمستوى شكر إضافة إلى مدنيين، إنها قاعدة اشتباك جديدة، بمعنى أن المدنيين في الجهة الإسرائيلية بغض النظر عن جنسياتهم ودينهم، وهم إن سقطوا تحت نطاق السيطرة الإسرائيلية يُردّ باغتيال في قلب بيروت”.

ورأى الحاج علي أن “على ’حزب الله‘، ورداً على كسر إسرائيل قاعدة الاشتباك القديمة أن يردّ في تل أبيب وأن يُسقط قتلى إسرائيليين، وهذا الشيء لم يحصل، هو أعلن عن ضرب قاعدة تبعد نحو كيلومتر واحد أو أكثر بقليل من الحدود الإدارية لتل أبيب، ولكن لم يقدّم دليلاً على ذلك، ولم تعترف إسرائيل بأن القصف طاول هذه المنطقة الحساسة، ولم يسقط قتلى إسرائيليون سوى بحّار لم نفهم كيف قتل بالقصف، ولم يكُن واضحاً هذا القصف أو المقصود به، ويقال سقط عليه صاروخ بالخطأ، بغض النظر، هذا البحار الإسرائيلي سقط في منطقة هي ضمن قواعد الاشتباك، مما يعني أن مقتله ليس خارجاً على القواعد هذه”. وأضاف أنه “بكلام آخر، هو اعتراف بأنه إذا ما أتيح اليوم لإسرائيل اغتيال قيادي بمكانة شكر وأرادت أن تنفذ عملية كهذه رداً على مقتل مدنيين في شمال إسرائيل، على سبيل المثال، يمكنها الرد على ذلك مع توقع ردّ محدود جداً من ’حزب الله‘ وحتماً لن يغير قواعد الاشتباك”.

إسرائيل تبدل القواعد

وبتقدير الحاج علي أيضاً، أن “الحال تبقى على ما هي عليه، لكن قواعد الاشتباك القديمة التي كان يفرضها ’حزب الله‘ ويعلنها، فيمكن القول إن ثمة تحولاً جذرياً فيها، إذ إن إسرائيل تنفذ اغتيالات في قلب صيدا وفي صور، وتضرب بالعمق في البقاع، مما يعني أن قواعد الاشتباك التي كانت قائمة على أساس مساواة جغرافية لجهة معادلة العاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية بتل أبيب وحيفا، أو معادلة ضرب المدن الجنوبية اللبنانية بضرب العمق الإسرائيلي في الشمال، كلّه طار ولم يعُد موجوداً”، وأكد أن “’حزب الله‘ بات محصوراً ضمن نطاق جغرافي معيّن، على مستوى استهداف مناطق عسكرية وقصف مستوطنات خالية من سكانها، فإذا قتل مدنيون داخل هذه المناطق المحصورة جغرافياً ترد إسرائيل بقصف قلب الضاحية واغتيال قياديين من الحزب أو مدنيين لبنانيين أو سوريين أو شخصيات فلسطينية، فيرد الحزب بضرب قواعد عسكرية ضمن نطاق محدود جغرافياً، بينما ردود إسرائيل غير محدودة جغرافياً، إسرائيل يمكنها قتل مدنيين، أما إذا قتل ’حزب الله‘ مدنيين إسرائيليين فيعاقب من خلال قصف الضاحية واغتيال قياديين، وهذه قواعد اشتباك جديدة، وإسرائيل هي من تبدل فيها، أو تبادر إلى تغييرها”.

ولاحظ الحاج علي أن “’حزب الله‘ يحاول الحفاظ على ما تبقى من قواعد، وهو في موقع دفاعي في عملية رسم قواعد الاشتباك والحفاظ على مكتسبات قديمة يخسرها بصورة دورية، بانتظار تحوّل ما في التوقيت والدعم الأميركي لإسرائيل، حتى يمكنه القيام بالتصعيد، لكن الوضع غير مواتٍ حالياً للتصعيد لأنه ليس مع إسرائيل فحسب، بل مع أميركا كذلك”.

“حزب الله” وضبط النفس

وعن استحضار “اتفاق أبريل” (نيسان) 1996 في فرض قواعد اشتباك بقيت سائدة إلى وقت طويل، ردّ الباحث الحاج علي أن “الاتفاق كان ينص على أنه إذا ضربت إسرائيل مدنيين عندنا فنضرب مدنيين عندها، ما يحصل اليوم ليس مثل اتفاق أبريل، بل نحن أمام مرحلة لا وجود لاتفاق أبريل فيها نهائياً لأن ’حزب الله‘ يضرب مناطق إسرائيلية خالية رداً على استهداف مدنيين حقيقيين وقتل ناس حقيقيين من قبل إسرائيل”، وخلص إلى أن “’حزب‘ الله يقاتل اليوم من أجل إبقاء المعركة في الحد الأدنى من دون تصعيد مع طرف قادر على أن يصعّد، وفي وضع يمكّنه من ذلك مع حلفائه الدوليين. و’حزب الله‘ يضبط نفسه، برأيي، فإنه بقدراته العسكرية المعروفة يمكنه أن يوقع قتلى أكثر في إسرائيل وإصابات أكثر، لكنه لا يفعل ذلك تجنباً للتصعيد في ظل وضع غير مواتٍ دولياً لأن أميركا قادرة على أن تدخل في المعركة، وهي تحت ضغط كبير بانتظار انتهاء الانتخابات الرئاسية، وتصبح في مرحلة مختلفة، وعندها لكل حادث حديث، و’حزب الله‘ يمكنه أن يصعّد”.

لبنان مكشوف منذ 20 عاماً

ويفصل الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد في الجيش اللبناني هشام جابر “قضية الاغتيالات التي ينفذها الإسرائيليون على الأراضي اللبنانية عن العمل العسكري الميداني، نظراً إلى أنه عمل أمني بوسائل عسكرية وأسبابه عدة، فلدى الإسرائيليين معلومات كافية عن جميع اللبنانيين بمن فيهم عناصر ’حزب الله‘ أو مختلف الأحزاب، والسبب أن لبنان مكشوف منذ أكثر من 20 عاماً منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري (رئيس حكومة سابق) والمحكمة الدولية، إذ قدّم لبنان كثيراً من المعلومات عن جميع اللبنانيين حتى طلاب الجامعات ووصلت كلها إلى إسرائيل”، ويضيف “ثم أتت شركات كثيرة تتولى شبكات الاتصالات، شركات غربية كانت حتماً مرتبطة بإسرائيل، فقدمت لها كل المعلومات على طبق من فضة، ناهيك عن الأقمار الاصطناعية والاستخبارات الغربية التي تقدم يومياً إلى إسرائيل كل المعلومات المتاحة، أضف إليها الذكاء الاصطناعي، لذلك فإن عمليات الاغتيالات مستقلة تماماً عن الميدان”.

فشل استخباراتي إسرائيلي

ويشير جابر إلى أن “هناك فشلاً استخباراتياً إسرائيلياً كبيراً في الوقت عينه نراه في الميدان، يتمثل في عدم معرفة الإسرائيليين أين هي صواريخ ’حزب الله‘، من الصواريخ الدقيقة إلى “عماد 4″ وغيرها من الصواريخ المضادة للسفن، وأين تتموضع قوات الرضوان، وهناك أمور عدة لا يعرفونها، لذلك الاستخبارات الإسرائيلية الميدانية فاشلة، بينما الاغتيالات تتعلق بأشخاص معروفين وأهداف واضحة تماماً”.

ورداً على سؤال حول من يتحكم أخيراً في الميدان، يقول جابر “’حزب الله‘ والإسرائيلي يتحكمان بالميدان معاً، وقد اعترفت تل أبيب بأن الحزب يستطيع أن يتوصل إلى كسر الردع الإسرائيلي، وهذه الصواريخ الأخيرة والطائرات المسيّرة عندما انطلقت، وعلى رغم الدعاية المضادة، حتى من بعض اللبنانيين التي قالت إن لا نتيجة لها. لا، أنا أقرأ صباحاً الصحف الإسرائيلية ماذا تقول، فمهما كان تأثير هذه الصواريخ والمسيّرات، تدميرياً أو غير تدميري، أصابت أو لم تصِب، يكفي أنها تخترق الأجواء، ولم يستطِع الإسرائيليون إفشال اختراقها، هذا يجب حسبانه، ونحن أمام تعادل في ما يتعلق بالتحكم في الميدان”.

ماذا بعد رد الحزب؟

ويتابع جابر أنه “بعد الرد الذي كان منتظراً طوال ثلاثة أسابيع، والناس كانوا متخوفين من فتح الجبهة على حرب، أدى هذا الرد إلى نزع فتيل التفجير والجبهة الواسعة، وتراجعت الحرب النفسية والخشية من اجتياح بعد يومين أو ساعتين وما إلى ذلك من أخبار كانت ترد من هنا وهناك، وأكبر دليل على رد ’حزب الله‘ المدروس أن إسرائيل استوعبته وقالت إن ’لم يرد حزب الله وكان راضياً، نحن لم يعُد لدينا شيء، ونحن ردينا استباقياً‘. للمرة الأولى نسمع بنيامين نتنياهو يقول إنه لا يريد أن يفتح جبهة واسعة، وسيرد على من يؤذيه، وهذا كلام طبيعي”.

وعن تقديره للمرحلة المقبلة، يلفت العميد المتقاعد في الجيش اللبناني إلى أنه “بعد الذي حصل ستستمر الاشتباكات ضمن قواعد الاشتباك السابقة إلى أجل غير مسمى، حتى لا يحصل خرق ما، وليطمئن الجميع، وعلى نحو ما كنا نحكي منذ 10 أشهر وأكثر ولا يصدقوننا، أن الحرب الواسعة ليست لعبة ولا يمكن لأي كان أن يتورط فيها. و’حزب الله‘ منذ اليوم الأول قال إنه لا يريد أن يدخل في حرب واسعة، وكل همه حالياً أن يمنع الحرب الواسعة، وكذلك يمتنع عن ارتكاب خطأ تعتبره إسرائيل أنه سعي إلى حرب واسعة، وإذا كان لا بد من حرب واسعة فيجب أن يكون عندها جاهزاً للاعتراض”.

وعن تحقيق “حزب الله” للرد الذي سعى إليه، يوضح جابر أن “الحزب أعلن عن النقاط التي استهدفها، أصاب أم أخطأ؟، هو قال إنه حقق ما يريد ونحن لا يمكننا التخمين قبل أن نعرف النتيجة، حتماً ليس كما ادعى الإسرائيليون، إذ تحصل في أحيان كثيرة خسائر ولا يعلن عنها الإسرائيليون، نحن سمعنا منذ اللحظات الأولى أن تل أبيب تعرضت لشيء ما، وعن سماع انفجارات في شمالها، وكانوا قبلها يهددون أن تل أبيب مقابل بيروت ثم قالوا استطعنا إحباط إصابة مركز الاستخبارات أو تدميره، إلى أخبار تتردّد هنا وهناك حول الوحدة 8200، لكن نجزم أن ثمة خرقاً قد حصل”.

عودة إلى الديار

كان حيدر (مواطن) من النبطية حزم أغراضاً ضرورية، بعد عملية اغتيال فؤاد شكر والغارة على الضاحية الجنوبية والتهديد بالرد وما ذهبت إليه التحليلات السياسية والأمنية والعسكرية من أن ثمة حرباً ستحصل.

وقال حيدر “انتقلت وزوجتي منذ ذلك الوقت إلى شقة ابني في بيروت، خشية وقوع حرب عشنا مرارتها طوال الأعوام الماضية، لا سيما في حرب يوليو (تموز) 2006. بقينا في بيروت طوال هذا الوقت، مع قلقنا الدائم من وقوع هذه الحرب، إذ ثمة عدد كبير من الأهل والأقارب والأصدقاء لم يتمكنوا من مغادرة النبطية والجوار لأسباب عدة، لكن بعد “عملية الأربعين” وخطاب نصرالله، قدرت بأن ليست هناك حرب في الأجواء وأنه يمكننا العودة لبيوتنا في الجنوب، مع دعائنا الدائم ألا تتطور الأمور أكثر مما هي عليه، بل أن تنتهي الحرب ويعود الجميع إلى بيوتهم وحياتهم العادية”.

كامل جابر – اندبندنت

Leave A Reply