أتى أيلول الصّعب على كلّ المعنيّين بالطّبشورة البيضاء وهمومها. ويبدو أنّ المشهد التربويّ سيُعيد نفسَه في هذا العام الدّراسيّ، الذي يقف على أبوابنا الآن، مُثقَلًا بمشاكل ليس لها مَن يَكسر سُمَّها على الأقلّ، باعتبار أنّها جزء من أزمة وطن، باتت أصحّ تسمية له: وطن المشاكل.
على مستوى المناهج والمعرفة التي من الواجب أن يصل إليها التلميذ، سيبقى التقليص سيّد الموقف، وسيستمرّ القطاع الرّسميّ ملتزمًا بأربعة أيّام للتعليم فقط. وذلك بسبب عدم قدرة الدّولة على زيادة رواتب المعلّمين، إلى حدّ يمكّنهم من الذّهاب إلى مدارسهم خمسة أيّام في الأسبوع.
أمّا في القطاع الخاصّ، فقد وجدت الإدارات حلّا منذ بضع سنوات، يقضي بزيادة “شَوفة الخاطر” بالدولار سنويّا، بهدف استمرار مؤسّساتها التربويّة، والمشكلة حُلّت على حساب المعلّمين، في المدارس الخاصّة، كما في المدارس الرّسميّة، لأنّ ما يحصل عليه المعلّم من زيادة على الرّاتب، لا تدخل صلب راتبه، ما يعني أنّه بِلا تعويض يًذكَر في نهاية الخدمة. عمليّا، أصبح المعلّمون عُمّالا مَوسميّين، فالمتقاعِدون يتقاضون رواتب رمزيّة مذِلّة، والذين لا يزالون في الخدمة يخشون يوم التقاعُد كأنّه يوم إعلان نهاية حياتهم.
وممّا سنَشهده في بحر هذا العام الدراسيّ، إضرابات متتالية في القطاع التعليميّ الرّسميّ، إن لم تسارع الحكومة إلى المزيد من “شَوفات الخاطر” للمعلّمين الذين لا تصل رواتبهم الشهريّة إلى الخمسمئة دولار. وفي حال الاستعداد للتحرّكات ذات الطابع النقابيّ المطلبيّ، قد يَعمد وزير التربية، على جاري عادته، إلى التضييق على المعلّمين الذين لا يستطيع تَدجينهم من خلال الروابط الحزبيّة التي تَشدّ أَزرَه… ما يزيد المسألة صعوبة وتعقيدًا.
ولا شكّ في أنّ الجنوب اللبنانيّ سيكون في رأس المشاكل التربويّة، فمفاتيح مدارسه على خصر الحرب، التي قد تستمرّ طويلا، وهي وإن انتهت فإنّ الواقع لا يسمح بفتح المدارس، ولَو صارت مفاتيحها بِيَد أصحابها، لأنّ عودة الناس إلى حياتهم شِبه الطبيعيّة، لا سيّما الذين خسروا بيوتا لهم وأرزاقا، وصاروا على بساط التشرّد والحاجة، لن يتمكّنوا بسهولة من لملمة مآسيهم، لاستئناف حياتهم المعتادة.
وسنصل إلى نهاية العام الدراسيّ، دون أن يتمّ إلغاء شهادة البريفه، وستُعاد البلبلة والمهزلة في شأنها. وامتحانات الشهادة الثانويّة ستكون شكليّة أيضا، استنادا إلى أنْ لا شيء في واقع هذا العام الدراسيّ سيتغيّر عن العام الماضي.
وقد تواجه المدارس الخاصّة إضرابا قاسيا عنوانُه: صندوق التعويضات، فالمعلّمون المتقاعدون في المدارس الخاصّة يموتون جوعا، وليسوا متساوين مادّيّا مع زملائهم المتقاعدين في المدارس الرّسميّة، ولا ضمانة عندهم للحصول على رواتبهم الرمزيّة في نهاية كلّ شهر، بسبب تَقاعُس بعض الإدارات في تأمين حقوقهم الماليّة.
الغرباء وحدَهم يتعلّمون عندنا بعناء أقلّ، لأنّهم محروسون بِعَين العناية المحلّيّة والدّوليّة، أمّا أولادُنا فَهُم يصلون بِطلوع الروح إلى تعليمهم الجامعيّ، ويستلمون الفيزا مع الشهادة… ويَرحلون.
قزحيا ساسين – السياسة