ماذا بعد التمديد لقوات الطوارئ الدولية اليونيفيل في الجنوب وبالتالي نجاح الديبلوماسية اللبنانية في احتواء الأمر؟ بعد رد “حزب الله” على إسرائيل على خلفية اغتيال القيادي البارز في الحزب فؤاد شكر والرد الإسرائيلي، وصولاً إلى كلمة الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله، التي رسمت خريطة طريق للرد على ما قبله وما بعده، ثمة مرحلة جديدة انطلقت على الساحة اللبنانية، وتحديداً على صعيد الاستحقاق الرئاسي، بحيث فتحت ثغرة في هذا “الستاتيكو” من خلال جولات السفير السعودي وليد بخاري، على المرجعيات السياسية والروحية، يرافقه على خط آخر تحرك للسفير المصري علاء موسى، الذي بدوره رسم خريطة طريق للاستحقاق من دار الإفتاء، بعد لقائه بالمفتي الشيخ عبد اللطيف دريان، عندما تحدث عن الأسباب الموجبة التي تحتم انتخاب الرئيس. حملت هذه التطورات شيئاً من التفاؤل، وينقل عن أوساط ديبلوماسية سعودية في بيروت، أن المملكة لن تتخلى عن لبنان على الإطلاق، وهذه من الثوابت والمسلمات، وبالتالي اللجنة الخماسية لم ينته دورها بل مستمرة، وستشهد حراكاً فاعلاً عندما تأتي الظروف المؤاتية في وقت قريب، ما يدل على أن هذه العناوين ربطاً بالتجديد لقوات الطوارئ، تشير الى أن هناك ضغوطاً دولية لثني إسرائيل عن قيامها بعدوان واسع على لبنان.
وثمة معادلات ومقاربات سياسية وديبلوماسية وعسكرية تريح البلد في هذه المرحلة، وإن كانت الحرب مستمرة، وخصوصاً الإعتداءات الإسرائيلية في الجنوب، إضافة إلى أن “حزب الله” لم يتخلّ عن المشاغلة أو المساندة. لكن بين كل هذه العناوين، ثمة قلق ومخاوف من أن تؤدي العمليات العسكرية في الضفة الغربية إلى إعادة الأمور، لا إلى المربع الأول، بل إلى ما هو أخطر من ذلك، باعتبار الضفة هي الشغل الشاغل لإسرائيل، وتريد الاستيلاء عليها واجتياحها، لكن هناك أيضاً حراكاً بدأ يقوم به الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وكذلك تحرك الديبلوماسية الدولية والعربية لمنع هذا الاجتياح، ما يعني أن اللعبة مفتوحة على كافة الاحتمالات في ظلّ تطور العمليات العسكرية النوعية في الضفة.
في السياق، تشير مصادر ديبلوماسية عربية في بيروت الى أن تحريك الملف الرئاسي عاد حقاً إلى الواجهة، على خلفية بعض الإشارات التي يبنى عليها عبر دينامية السفيرين السعودي والمصري، وكذلك الفرنسي الذي التقى بالسفير وليد بخاري، وكان هناك بحث عميق في الوضع اللبناني الداخلي على ضوء الاعتداءات الإسرائيلية، وكل ما يجري في الجنوب والمنطقة ودور اللجنة الخماسية في المرحلة المقبلة، بعدما أصبحت هناك حاجة ملحة لانتخاب رئيس للجمهورية لمواجهة ومجابهة تحديات المرحلة أمام أي تطورات مقبلة، حيث سيكون لرئيس الجمهورية دور أساسي للتوقيع على هذه التسوية عند حصولها، دون إغفال أن ثمة محطات وتحولات ومتغيرات كثيرة سيشهدها لبنان في الأشهر المقبلة.
فالحرب مستمرة ولا يُعرف مداها، البعض يقول إنها ستبقى إلى حين انتخاب رئيس للولايات المتحدة الأميركية، وحتى بعد أن يتسلم الرئيس العتيد وترسَم سياسة أميركية شرق أوسطية جديدة، دون إغفال ما يمكن أن يحصل في الضفة الغربية. لذلك، فالرئيس ضرورة ومطلب وطني جامع، عربياً ودولياً، وتحديداً من الخماسية، دون استبعاد أن تعقد اللجنة اجتماعاً تقييمياً لكل ما واكب ورافق المرحلة الماضية وصولاً إلى اليوم، على ضوء المتغيرات الأخيرة من حرب غزة إلى الجنوب، وبالتالي العودة المحتملة للموفد الفرنسي جان إيف لودريان لن تأتي من فراغ، إلا إن كان يحمل إيجابيات، وبمعنى أوضح، لا أحد يريد أن يغامر، فالخماسية لا يمكنها أن تجتمع دون أن تقدم أي شيء جديد للبنانيين، ما يعبّر عنه سفير بارز فيها، إذ يقول، لا يمكننا الاستمرار في الاجتماعات دون أن نعطي التفاؤل، ونبشر اللبنانيين بأن الرئيس سيُنتخب في وقت قريب حقاً، وهذا ما يلزمه جهد، والظروف الماضية خذلتنا من الحرب إلى الخلافات في الداخل اللبناني وسواها.
لكنّ ثمة تأكيداً بأن اللجنة ستجتمع قريباً، بفعل الاتصالات والمشاورات الجارية بين أعضائها، والتحرك الموازي، ولا سيما من واشنطن وباريس والرياض والقاهرة والدوحة، فالمسألة تنحصر بإمكانية فصل الملف الرئاسي عن حرب غزة والجنوب، وقد قطعت شوطاً كبيراً، بما أنه ليس هناك أي معارضة من المعنيين في هذا الأمر.
وتلفت المصادر الى صعوبة ودقة المرحلة في لبنان والمنطقة، إذ إن عمل اللجنة الخماسية في هذه المرحلة، وانتخاب رئيس، كمن يفتش عن إبرة في كومة قش، أو من يحفر جبلاً بإبرة، نظراً إلى دقة وصعوبة الأوضاع، إذ يصعب في مثل هذه الظروف النجاح في الوصول إلى انتخاب رئيس، على الرغم من كل السيناريوهات التي رُسمت، وبمعنى أوضح، لا أحد يعرف كيف سيكون الوضع في الضفة الغربية، فهل من اجتياح إسرائيلي جديد؟ والتفاؤل الوحيد هو أن تُمرَّر تسوية دولية إقليمية بتوافق الجميع، وهذا ما يعوّل عليه لكن ليس بالأمر السهل في مثل هذه الظروف الاستثنائية.
وجدي العريضي – النهار