للعاصمة الفرنسية باريس رمزية لدى التيار الوطني الحر، فهي التي إحتضنت العماد ميشال عون عندما لجأ الى السفارة الفرنسية في لبنان إثر معركة ١٣ تشرين الأول عام ١٩٨٩، ومنها أكمل مسيرته السياسية بدعم من لبنانيين واكبوه وأحاطوه بكثير من الاهتمام والرعاية، وشكلوا المداميك الأولى لتيار سياسي عريض أحدث “تسونامي” في الإنتخابات النيابية اللبنانية في العام ٢٠٠٥ بعد عودة رئيسه عون من منفاه الباريسي ليدخل الى جنة السلطة التي أوصلته بعد ١١ عام الى رئاسة الجمهورية.
في باريس تقدير كبير للرئيس ميشال عون من قبل كثير من العونيين الذين يعتبرونه “رمزا وطنيا، دافع عن سيادة وإستقلال لبنان، وعندما وصل الى الرئاسة تمت محاربته بشكل شرس، لكنه في الوقت نفسه لم يُحسن التصرف ولم يصارح اللبنانيين بحقائق الأمور، وسلّم عن “حب ورضى” مقاليد السلطة الى صهره جبران باسيل الذي اعطى كرئيس ظل ومارسها بأسوأ وجوهها فأساء الى الرئيس عون وتاريخه ووضع تياره على سكة التراجع والانقسامات”.
لذلك، ثمة غضب كبير على جبران باسيل من كوادر عونية وبرتقالية لها حضورها وتأثيرها في باريس، وهذا الغضب يتنامى يوما بعد يوم بفعل حالة الوهن والانقسام التي أصابت التيار بعد قرارات الفصل التي إتخذها بحق كل من نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب والنائبين آلان عون وإبراهيم كنعان وما بينهما سيمون أبي رميا الذي قدم إستقالته على خلفية تلك القرارات، وقبلهم كثير من النواب والكوادر، فضلا عن التململ الحاصل في صفوف العديد من البرتقاليين نتيجة الشخصانية الباسيلية المسيطرة والمدعومة من الرئيس عون.
يضرب عونيون في باريس كفا بكف وهم يتحدثون عما آلت إليه أوضاع التيار الوطني الحر الذي بدأ يتآكل “بحسب تعبيرهم”، وكتلة لبنان القوي التي تراجع عدد نوابها وبدأت تفقد تأثيرها السياسي خصوصا أمام الخصم التاريخي حزب القوات اللبنانية الذي بات يمتلك الأكثرية المسيحية من دون منازع.
ويرى هؤلاء أن “ما يشهده التيار من تراجع وتقهقر هو “برقبة” جبران باسيل وحده، كونه يريد أن يبني تياره الباسيلي على أنقاض التيار العوني، وهو يعمل على هذه الخطة منذ سنوات طويلة، لجهة التضييق على المحسوبين على الرئيس عون وعلى الذين لديهم تاريخ طويل في التيار الوطني الحر، وعلى كل من يمكن أن ينافسه، وذلك بهدف إحراجهم لإخراجهم، أو لإستدراجهم الى مواقف عالية السقف تستدعي إتخاذ قرارات الفصل بهم”.
وما يحزّ في قلب هؤلاء هو أن “الرئيس ميشال عون يدعم باسيل في كل توجهاته ولا يخالفه في أي أمر، ولا يقيم وزنا لمن خاضوا النضالات الى جانبه وتعرضوا للملاحقات ولشتى أنواع المعاناة والعذاب للوصول الى تيار ديمقراطي سيادي لبناني حواري”، فإذا بهم يتفرجون على شريط حياتهم النضالي يضيع أمامهم سدى، بعدما تم وضع التيار في خدمة باسيل الذي يمارس فيه سياسة شمولية تعتمد التطهير في كل فترة لكل من يخالف الأوامر والتعليمات.
في باريس خشية عونية من أن يتحول لقاء النواب الأربعة المصروفين من الخدمة في التيار الوطني الحر الى حالة سياسية تستقطب كل الرافضين لسياسة باسيل، أو أن تشجع نوابا أو مسؤولين أو كوادر في حال الاختلاف مع باسيل الى تشكيل حالة مماثلة في ظل غياب الرئيس عون عن كل ما يجري، ومحاصرة “شيوخ الصلح” في التيار، الأمر الذي من شأنه أن يجعل التيار في فترة ليست بعيدة “بيتا بمنازل كثيرة”!..
غسان ريفي – سفيرالشمال