قبل أقل من شهرين من موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، ترتفع لهجة المسؤولين في تل أبيب ضد “حزب الله”. وعلى انقساماتهم السياسية هناك، يلتقون جميعهم على هدف إبعاد الأخطار العسكرية التي تهدد كيانهم بعد فصول قاسية تكبد خلالها جيشهم كل هذه الخسائر في قطاع غزة منذ 11 شهرا من جولات القتال التي امتدت منذ اليوم الأول إلى جبهة جنوب لبنان، لتصبح الرقم واحد في الأولويات العسكرية عند القيادة الإسرائيلية.
ولم يعد يختلف ما يقوله بنيامين نتنياهو عما يردده الوزير المستقيل من المجلس العسكري بني غانتس، إذ يجمعان على ضرورة تحجيم قدرات الحزب ومنعه من تهديد إسرائيل، أقله من جهة الشمال، حيث لم يعد المستوطنون إلى منازلهم ولم يحقق نتنياهو وعده لهم ببدء العام الدراسي في الأول من أيلول الجاري في عشرات المستوطنات. وفي المقابل، فعل الإسرائيليون الأمر نفسه ولكن بمساحة أكبر تخطت البلدات الحدودية اللبنانية.
وكان واضحا ارتفاع موجات التصعيد الإسرائيلية وتوسيع إطار “الأحزمة النارية”، وهذا ما صدر على لسان أكثر من مسؤول سياسي وعسكري وجّهوا رسالة ضد الحزب مهددين لبنان كله. وفي هذا المقام يأتي رد الحزب واضحا، ومؤداه أنه رغم كل هذا السيل من التهديدات فإن الشمال وصولا إلى الجولان السوري المحتل “يبقى تحت مرمى صواريخ المقاومة ومسيراتها”.
وتبقى كل التصريحات الإسرائيلية الاستهلاكية وتلك التي تحمل طابع الجد محل متابعة لدى قيادة الحزب الذي يتعامل معها ببراغماتية عالية. ويربط البعض هذه التهديدات برفع وتيرتها قبل موعد الانتخابات الأميركية.
وفي رأي الخبير العسكري العميد المتقاعد الياس فرحات، فإن التهديدات الإسرائيلية المتواصلة هي من باب رفع معنويات الجمهور.
ولا يرى أن ثمة سهولة في إقدام تل أبيب، بعد تجربة 11 شهرا، على خوض حرب كبيرة على طول الحدود من الناقورة إلى تخوم مزارع شبعا المحتلة وعلى مساحة تزيد على مئة كيلومتر “ولا سيما أنها لم تتمكن القضاء على حركة حماس التي ما زالت تقاتل إلى اليوم”.
ويعتقد فرحات أن إسرائيل “لا يمكنها بسهولة الإقدام على احتلال مساحات من جنوب لبنان. وما ستلجأ إليه هو تنفيذ ضربات كبيرة على غرار ما فعلته في وادي بلدة فرون أخيرا، ولن يؤدي كل هذا التصعيد إلى حصول اجتياح بري لأن هذا الخيار سيرتد على إسرائيل بجملة من السلبيات والإخفاقات. وكل ما يردده المسؤولون في إسرائيل عن أنهم سيتقدمون إلى شمال الليطاني يدل على سوء تقدير منهم لمثل هذا الفعل الخطير.
ولذلك فإن الحزب قادر على الاستمرار في هذه المواجهة، ولن تتغير المجريات بين الطرفين إلا إذا قررت تل أبيب توسيع شعاع ضرباتها بما يدفع الحزب إلى الرد بالمثل”.
ومن غير المستغرب وفق فرحات أن يكون المغزى من رفع نبرة تهديدات الإسرائيليين وقولهم إنهم لن يوقفوا الحرب في الجنوب حتى لو جرى التوصل إلى هدنة في غزة، تحسين شروطهم في وجه الحزب في حال حصول اتفاق قد يتعدى بنود مندرجات القرار 1701. ولن يكون نتنياهو ومجموعته من المطالبين بإبعاد الوحدات العسكرية عن الحدود.
ورغم كل ضجيج تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، يتعامل الحزب مع الأمر بكل هدوء، إذ يرى أن الأزمة في قلب إسرائيل من خلال اعتراض مئات الألوف من المتظاهرين على سياساته، وان المستوطنين في الشمال الذين غادروا منازلهم ومؤسساتهم ومنازلهم لا يصدقونه.
ومن الناحية العسكرية، لم يستطع الجيش الإسرائيلي معرفة نقاط انطلاق المسيرات الانقضاضية التي أصابت واحدة منها نهاريا أمس، فضلا عن أماكن في عمق الكيان. ولذلك فإن ما يتوقعه الحزب هو الإبقاء على هذه الوتيرة من الضربات المتبادلة، علما أن التصعيد الأخير لن يؤدي إلى مواجهة أكبر، بمعنى أن التصعيد في التصريحات ليس مقدمة للحرب.
لهذا كله، لن يوفر نتنياهو وغانتس وقبلهما يوآف غالانت أي رسالة للقول إنهم على كامل الاستعداد لفتح حرب كبرى على قاعدة “الهروب إلى الأمام” في اتجاه لبنان، ولا سيما بعد انتهاء الحرب في غزة. ويتلاقى غانتس مع نتنياهو على ضرب الحزب والتخلص من قدراته العسكرية، مع إدراكهما أن هذا الفعل دونه عقبات عدة.
ويتطلع الإثنان بدقة إلى مسار الانتخابات الأميركية وتعامل كل من الحزبين الديموقراطي والجمهوري مع طهران التي تحضر بقوة في هذا الاستحقاق، مع ملاحظة سوء قنوات الاتصالات بحسب مصادر ديبلوماسية بين حلقة الرئيس جو بايدن والمسؤولين الإيرانيين، وهو ما يستفيد منه الرئيس السابق دونالد ترامب الذي قد يقدم في حال فوزه على مفاجأة من العيار الثقيل تقوم على عقده صفقة مع الإيرانيين، وإن كانوا يميلون إلى منافسته كمالا هاريس لاعتبارات تخص منشآتهم النووية أولا، وسعيهم إلى بناء علاقات مع الغرب، ولو مع حفاظهم على ثوابتهم السياسية والإستراتيجية في محيطهم والمنطقة.
رضوان عقيل – النهار