تعتبر الظواهر الاجتماعية نوعاً من السلوك المجتمعي تجاه امر او قضية ما ، حيث يصبح هذا السلوك كالعرف، و تتعدد انواع هذه الظواهر من حيث اثرها على المجتمع، فمنها ما يترك الأثر الإيجابي و منها ما يؤثر سلباً و يخلّف مشاكل اجتماعية اقتصادية نفسية و تربوية. فالظاهرة التي نحن بصدد طرحها للنقاش قد لا تسترعي انتباه الكثير من المتابعين و خصوصاً العاملين في الحقل التربوي ان لإنشغالهم بأمور يعتبرونها اكثر اهمية و ان من باب عدم طرق هكذا باب خوفاً من الجواب او ربما مثلهم مثل النعامة تدفن رأسها في الرمل و هي ظاهرة للجميع. فالمراقب و المتابع و بجهد بسيط جداً و من خلال التواصل المباشر مع المؤسسات التربوية الخاصة و العامة و من خلال التصفح الإلكتروني لصفحات تلك المؤسسات، يستطيع تسجيل و ملاحظة الغياب الشبه كلي لعنصر الأستاذ( الذكر) حيث تشكل نسبة المعلمات ( الاناث) حوالي التسعين بالمئة من الكادر التعليمي و الإداري و هذه الظاهرة و هذا الغياب للاستاذ عن مسرح العملية التربوية التعليمية و التعلمية له ما له من تداعيات و مؤشرات سلبية تؤثر بشكل مباشر على المتعلم و على المؤسسة على حد سواء، و اذ تتشعب المؤشرات و التداعيات فنحن بصدد طرح اربعة مؤشرات فقط لهذه الظاهرة، اقتصادية- تربوية- اجتماعية و نفسية، فانطلاقاً من البعد الاقتصادي لهذه الظاهرة يمكننا تسجيل انه لم تعد مهنة التربية و التعليم اولوية اقتصادية لدى الكثير من المعلمين و خصوصاً الذكور بسبب تدني الاجور في المؤسسات التربوية العامة و الخاصة حيث لا تتجاوز الرواتب الشهرية الخمسمائة دولار امريكي في احسن الاحوال و هذا المبلغ لا يتناسب مع حجم الانفاق. و بالانتقال الى المؤشر الآخر لهذه الظاهرة اي البعد التربوي لهكذا اشكالية فإن تدني الاجور و عدم ملائمتها مع المصروف و خصوصاً لعنصر الشباب الملقى على عاتقهم مسؤوليات جليلة و كبيرة ادى بهم الى هجرة القطاع التربوي الى قطاعات اكثر انتاجاً فتغربت العقول و خسرت المدارس و الثانويات قسم كبير من معلميها المنتجين و المبدعين و الكفؤين و المخضرمين على حساب مجموعة من المبتدئين. اما المؤشر او البعد الثالث لهكذا ظاهرة فهو التأثير السلبي لغياب دور الاستاذ اجتماعياً حيث ان التكامل بين دور الرجل و المرأة في مختلف و شتى نواحي الحياة يؤدي الى بناء جيل واعٍ متوازن و فاعل و خصوصاً في مجال التربية و التعليم حيث يحتاج التلميذ الى حنان المعلمة و شخصية المعلم، فوجود الاستاذ يشكل قيمة مضافة و رافعة للكثير من الطلاب حيث يبوح الطالب بما يختلج في صدره و فكره للمعلم بسهولة و انسابية قد لا تتوفر عند البوح للمعلمة و بالتالي يساعده ذلك على مواجهة الكثير من المشاكل و الافات الاجتماعية. اما بخصوص المؤشر الرابع لظاهرة تدني عدد المعلمين الذكور في المؤسسات التربوية فهو نفسي حيث ان علم النفس النمو يركز على خصائص و ميزات الفئات العمرية و كيفية التعامل مع كل مرحلة فوجود الاستاذ و المعلمة و بنفس النسب حاجة ضرورية لنمو سليم و معافى خالٍ من الاضطرابات النفسية حيث الثقة بالنفس و الشخصية القوية و القدرة على الحوار و النقد و التفكير الإبداعي، فغياب أحد عناصر التربية ان كان الاستاذ او المعلمة قد يؤثر سلباً في تشكيل و تكوين شخصية المتعلم مع أرجحية لدور الاستاذ و خصوصاً في المراحل المتوسطة و الثانوية. و نحن اذا نطرح تلك الإشكالية تحت مسمى الظاهرة فإننا نلفت عناية السادة التربويين و المعنيين بالشأن التربوي الالتفات الى هكذا موضوع و مقاربته مقاربة جدية و موضوعية من باب المنطق الاجتماعي و التربوي و الاقتصادي و النفسي اي مقاربة شاملة و ليس فقط من باب تجاري بحت و العمل على تصحيح هذا الخلل بدءا من الوزارات المعنية وصولاً الى المدرسة و الثانوية حتى تعود التربية الى سابق عهدها و يعود المتعلم إنساناً متعلماً مثقفاً مفكراً مبدعاً اجتماعياً ذا شخصية قوية.