كتبت صحيفة “الجمهورية”: الزخم الذي رافق عودة اللجنة الخماسية الى استئناف حراكها على الخط الرئاسي، لم يكن بحجم الآمال التي علّقت على هذا الحراك، حيث انّ اجتماع سفرائها السبت في قصر الصنوبر، لم يرقَ إلى ما تاق إليه اللبنانيون بأنّ يشكّل قوّة دفع جديدة ونوعيّة في اتّجاه التعجيل في انتخاب رئيس للجمهورية، فيما تتدحرج في موازاته كرة الاحتمالات الحربية على جبهة الجنوب، تزامناً مع ارتفاع وتيرة التهديدات الاسرائيلية بعمل عسكري ضدّ لبنان، وفرض واقع جديد .
مرّ اجتماع سفراء الخماسية مرور الكرام، فلا بيان توضيحياً لما بحثه السفراء، ولا تحدّد ما تقرّر فيه؛ ما تسرّب عنه لبعض المعنيين لا يشي بأنّ اللجنة بصدد انتهاج مسار جديد في تحركها، يعوّل عليه لكسر جدار التعطيل.
وعلى ما هو واضح، فإنّ الجولة الجديدة قد انطلقت؛ السفير السعودي وليد البخاري حطّ في الديمان ووضع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي في أجواء الحراك الجديد، وجهود اللجنة التي تعول على أن تقابلها ليونة من مختلف الاطراف، بما يسهّل فتح نافذة أمل في الجدار الرئاسي.
وأفادت المعلومات الرسمية بأنّ “أبرز النقاط التي تناولها هي اجتماعات اللجنة الخماسية، وما ستساهم فيه زيارة لودريان إلى لبنان في سبيل الدفع بملف الاستحقاق الرئاسي. واكّد البخاري للبطريرك الراعي وقوف السعودية إلى جانب لبنان، واهتمامها بمساعدته في تخطّي أزماته على الصعد كافة”. وللغاية نفسها يأتي تحرّك السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو في اتجاه عين التينة للقاء رئيس مجلس النواب نبيه برّي.
أجندة المواعيد
وبحسب مصادر موثوقة لـ”الجمهورية”، فإنّ أجندة اللجنة تلحظ مواعيد جديدة، والسفير المصري وفّر على اللبنانيين أن يتكبّدوا عناء الرهان على طرح نوعي للخماسية، بتأكيده انّ مهمتها محصورة في البحث عن مشتركات للبناء عليها لفتح الباب الرئاسي. بل إنّ “الخماسية”، على ما قال أحد سفرائها لـ”الجمهورية”، عاقدة العزم بتوافق كل أعضائها، على أن تمدّ للبنانيين يد المساعدة لإنزالهم عن الشجرة”.
واللافت في كلام سفير الخماسية عينه، تأكيده “انّ الانطباع الذي تكوّن لدينا من اللقاءات التي نجريها، يؤكّد بما لا يقبل أدنى شك، انّ كل الاطراف في لبنان مأزومة وتريد أن ترى نهاية قريبة لأزمة الرئاسة، لكنّها في الوقت نفسه حذرة من بعضها البعض، وتزرع الألغام في وجه بعضها البعض، ربطاً بالتجارب الخلافية التقليدية في ما بينها.
خياران: مصاعب او إيجابيات؟
من هنا، أكّد مصدر ديبلوماسي عربي، انّ حراك الخماسيّة يتّسم بأهميّة كبيرة هذه المرّة، حيث أنّ المناخ السائد بين أعضاء اللجنة، معطوفاً على ما جرى بحثه بين العلولا ولودريان، يشي بأنّ احتمالات الخرق الإيجابي اقوى مما كانت عليه في ما مضى. كل أعضاء اللجنة متفقون على هذا الأمر، وكذلك على عدم التقرير عن اللبنانيين في أمر هو من شأنهم. فاللجنة تساعد وتنصح بتضييق مساحات الاختلاف، واما كرة الحسم في نهاية الأمر، تبقى في ملعب الأطراف في لبنان، التي عليها أن تختار بين الاستمرار في وضع تعطيلي لانتخاب رئيس للجمهورية مفتوح على احتمالات وتعقيدات أكبر ومصاعب فوق قدرة لبنان على تحمّلها، وبين الانتقال إلى وضع مفتوح على إيجابيات، مفتاحه استباق تلك الاحتمالات والتحدّيات بالتعجيل في انتخاب رئيس للجمهورية، كخطوة اولى على طريق إعادة انتظام الحياة السياسية والدستورية في لبنان، وتشكيل حكومة جديدة تضع لبنان على سكة الخروج من أزمته بالخطوات العلاجية والإصلاحية المطلوبة لذلك.
قبل الانتخابات!
وفي سياق متصل، كشف مرجع سياسي لـ”الجمهورية”، عن أنّ معطيات يملكها تؤكّد حضوراً سعودياً فاعلًا هذه المرّة على الخط الرئاسي، وأنّ زيارة لودريان إلى بيروت في حكم المقرّرة خلال الاسبوعين المقبلين.
ولفت المرجع إلى معلومات تبلّغها من مسؤول اوروبي زار لبنان في الآونة الاخيرة، تفيد عن جوّ دولي مدعوم اميركياً، يؤكّد انّ فرصة انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان ممكنة جداً قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية في تشرين الثاني المقبل. وهذه الفرصة متاحة أمامهم حتى ذلك الوقت، وخصوصاً انّ تفويتها قد يطيل أمد الفراغ اكثر، ليس إلى كانون الثاني موعد تسلّم الرئيس الاميركي الجديد لمهامه، بل ربما إلى ما أبعد من ذلك بكثير، ربطاً اولاً ببناء الادارة الاميركية الجديدة، وثانياً بما قد يبرز من تطورات أو مستجدات في المنطقة.
بري: “فشروا”
الى ذلك، قال الرئيس بري ردا على سؤال حول الملف الرئاسي: ما طرحناه في ?? آب من تعديلات في مبادرتنا حول الملف الرئاسي هو آخر ما يصنعه الانسان.
واشار الى ان كل أطراف اللجنة الخماسية أيدت مبادرتنا الرئاسية بالمفرق فما الذي يمنع اعلان تأييدها بالجملة؟ ورداً على سؤال حول إمكانية قيام العدو الإسرائيلي بعملية عسكرية لإحتلال أراض في الجنوب قال بري: “فشروا”.
إعتداءات وتهديدات
على المقلب الجنوبي، غليان حربي متفاقم على امتداد خط الحدود من الناقورة الى جبل الشيخ، تكثفت خلاله الاعتداءات الاسرائيلية على المناطق اللبنانية، فيما لوحظ في الايام الاخيرة رفع “حزب الله” لوتيرة عملياته واستهدافاته لموقع جيش الاحتلال والمستوطنات الاسرائيلية.
وتزامناً مع هذا الغليان، ارتفعت وتيرة التهديدات الاسرائيلية بتوسيع الجبهة مع لبنان وشن عملية عسكرية ضدّ “حزب الله” لبنان، لخّصها الإعلام الاسرائيلي بتوجيه ضربات جوية واسعة النطاق تطال العمق اللبناني، بهدف تغيير التوازن ضدّ “حزب الله”.
واكّدت مصادر قريبة من الحزب لـ”الجمهورية”، انّ الحزب لا يسعى إلى الحرب، ولكنه جاهز للتعامل مع ايّ عدوان بالحزم والقوة اللتين يتطلّبهما، والاسرائيلي خبر المجاهدين في الميدان، وسماحة الأمين العام قال إنّهم إذا ما ارتكبوا الحماقة عليهم أن يستقبلوا إلى جانب مستوطني الشمال، عشرات لا بل مئات الآلاف من المستوطنين الهاربين من المستوطنات الاخرى. وانّ اي اعتداء برّي على لبنان، ستقابله جهوزية المقاومة لتحرير الجليل.
مسلسل تهويل
إلى ذلك، قال مسؤول رسمي كبير رداً على سؤال لـ”الجمهورية”: “البعثات الديبلوماسية الغربية والأممية تنقل الينا مخاوف من التهديدات الاسرائيلية بعمل عسكري ضدّ لبنان، وتنصح بضبط النفس، ليقينها أنّ فرص الحل السياسي على الجبهة اللبنانية تبدو متضائلة في الوقت الحاضر”. وإذ لفت المسؤول عينه الى أنّ “موقفنا واضح بأنّنا في موازاة أيّ عدوان سنكون جميعاً في موقعنا الطبيعي لمقاومته، ولكن في ما خصّ التهديدات الإسرائيلية فهي فعلٌ ماضٍ اعتدنا عليه، وضمن مسلسل تهويل مستمر، ليس منذ بداية حرب الإبادة الاسرائيلية لقطاع غزة، بل منذ ما قبل ذلك بسنوات، حيث أجرى جيش العدو سلسلة طويلة من المناورات العسكرية التي تحاكي عدواناً على لبنان وحرباً على “حزب الله”. ولنفرض انّ هذه التهديدات جدّية، فإنّ ردّ “حزب الله” واستهدافه غليلوت قرب تل ابيب اولاً، وصولاً إلى الصاروخ الفرط صوتي الذي سافر 2040 كليومتراً في 11 دقيقة من اليمن الى تل ابيب دون ان تلحظه القبب الحديدية، تدفع نتنياهو وحكومته الى التفكير ألف مرّة قبل العدوان على لبنان”.
تخبّط
وسط هذه الأجواء، وصل الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين إلى اسرائيل في زيارة تبدو محصورة في منع توسيع المواجهات على الجبهة الشمالية.
وتتزامن زيارة هوكشتاين مع ما يبدو انّه تخبّط يسود المستويين السياسي والعسكري الاسرائيلي، وتفاقم الخلاف بين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، الامر الذي دفع نتنياهو إلى التلويح بإخراجه من الحكومة واستبداله بوزير آخر، حيث رجح الإعلام الاسرائيلي أن يحلّ جدعون ساعر مكانه.
وليلاً، أجمعت معلومات من جهات متعددة انّ مستشار الرئيس الأميركي جو بايدن، آموس هوكشتاين، حذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس من شن حرب أوسع ضدّ لبنان.
وشدّد هوكشتاين على نتنياهو أنّ الولايات المتحدة لا تعتقد أنّ النزاع الأوسع في لبنان سيحقق هدف عودة النازحين الإسرائيليين إلى منازلهم في الشمال. واعتبر أنّ الحرب الشاملة مع “حزب الله” تشكّل خطرًا باندلاع نزاع إقليمي أوسع وأطول.
وأكد هوكشتاين لنتنياهو ووزير دفاعه، أنّ الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بحل ديبلوماسي في لبنان “سواء بالتزامن مع صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة أو بشكل منفصل”. وجاءت تحذيرات هوكشتاين في وقت صعّدت فيه القيادة العسكرية الإسرائيلية التحضيرات لحرب ضدّ “حزب الله”، تهدف الى إعادة عشرات الآلاف من الإسرائيليين النازحين إلى منازلهم.
ومن المتوقع أن يصوّت مجلس الأمن الإسرائيلي اليوم الثلاثاء على تعريف رسمي لعودة النازحين الإسرائيليين كهدف للحرب المستمرة منذ 8 أكتوبر الماضي.
غير انّ نتنياهو ردّ على طرح هوكشتاين بأنّه لن يكون من الممكن إعادة النازحين الإسرائيليين إلى منازلهم من دون تغيير جذري في الوضع الأمني على الحدود مع لبنان، وفقًا لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وقال نتنياهو لهوكشتاين: “إسرائيل تقدّر وتثمّن دعم إدارة بايدن، لكن في النهاية ستقوم بما هو ضروري للحفاظ على أمنها وإعادة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان”.
بدوره، أبلغ غالانت هوكشتاين أنّ إمكانية الحل الديبلوماسي للوضع على الحدود الشمالية “قد انتهت لأنّ “حزب الله” يواصل ربط نفسه بحماس ويرفض إنهاء النزاع”، بحسب وزارة الدفاع الإسرائيلية.
وقال غالانت للموفد الأميركي: “لذلك، الطريقة الوحيدة المتبقية لإعادة سكان الشمال إلى منازلهم ستكون من خلال العمل العسكري”.