الخميس, سبتمبر 19

من غزّة إلى الجنوب اللبناني: أيّ سيناريوات؟

كيف يبدو المشهد الراهن خاصة أنه بعد أقل من شهر من الزمن ستبلغ الحرب على غزة عامها الأول: لم تستطع إسرائيل تحقيق أهدافها التي رفعتها منذ اليوم الأول للحرب، وصارت لأسباب سياسية داخلية أسيرة تلك الأهداف العالية السقف وغير الواقعية: أهداف تتمثل بالتخلص كلياً من حماس وفرض السيطرة الأمنية العسكرية على القطاع مع تأمين إدارة من”صيغة مركبة” دولية عربية فلسطينية للقطاع في ظل إحكام السيطرة الإسرائيلية.

يبدو أن التفاوض المتقطع وذا المراحل الثلاث كما طُرح منذ اليوم الأول صار بمثابة عملية تقطيع الوقت الى أن تأتي معطيات جديدة تفرض إحداث تقدم فعلي نحو ما يجب أن يكون الوقف الشامل لإطلاق النار، الأمر الذي يعني الخروج الكلي من منطق الهدن المشروطة بالمطالب الإسرائيلية ضمن صيغ مختلفة ولكنها مكشوفة.

الضفة الغربية طالتها نيران الحرب الإسرائيلية أيضاً. ومن الواضح أن الأطراف الدولية التي تحاول منع التصعيد في الضفة لن تنجح كلياً في مسعاها للعودة الى الوضع الذي كان سائداً ما قبل السابع من تشرين الأول في الضفة الغربية خاصة أن موقفها ما زال ضمن سياسة المطالبة والمناشدة لا الضغط المباشر على إسرائيل لإنجاح مسعاها. يعزز هذا الوضع أن استكمال تهويد الجغرافيا والديمغرافيا، كما نذكر دائماً، يبقى الهدف الاستراتيجي الأساسي للسياسة الإسرائيلية التي لم تعد تشعر بضرورة إخفاء ذلك خاصة في ظل العقيدة المسيطرة والحاكمة حالياً في إسرائيل. لن يكون بالأمر السهل تحقيق التهدئة الفعلية في الضفة الغربية في ظل ما أشرنا إليه من معطيات وخاصة في ظل استمرار حرب الاستنزاف القائمة والمفتوحة في الزمان والمكان. ويبدو أن الأولوية الإسرائيلية تتجه للتركيز على الجبهة اللبنانية.

التصعيد الكلامي الحامل للتهديدات المتكرّرة بإعطاء أولوية لـ”جبهة الشمال” عبر حرب مختلفة في قوتها قد تحصل “متى تستكمل الاستعدادات“ بين أسابيع وأشهر، تبدو كجزء أساسي في الحرب النفسية تجاه العدو في “الشمال“. وهي في الوقت ذاته يُفترض أن تشكل لأصحابها “ورقة” للطمأنة والتهدئة السياسية في الداخل الذي بدأت حدة ودرجة انتقاداته بالازدياد تجاه الحكومة، الأمر الذي قد يهدّد بقاءها. يترافق ذلك بالطبع مع تصعيد في القوة النارية، وإن بقي ضمن قواعد الاشتباك التي “تطوّرت” ولكنها بقيت ناظمة للحرب الدائرة، وفي جغرافية الحرب التي صارت سوريا تدريجاً جزءاً من “مسرحها“ على جبهة الشمال باعتبارها العمق الاستراتيجي الهام، بأبعاد مختلفة، لجبهة “المساندة” عبر الجنوب اللبناني.

نسمع عن استراتيجيات إسرائيلية مختلفة للتعامل مع جبهة الشمال، منها الاجتياح البرّي وهو أمر مستبعد لعدم قدرة إسرائيل على تحمّل تداعياته الخطيرة والمكلفة، ومنها عملية التفافية عبر الجولان المحتل وجنوب سوريا للوصول الى البقاع ومحاصرة الجنوب اللبناني عسكرياً وهذه أيضاً ذات تكلفة عالية وبالطبع غير مؤكدة النتائج. يحصل ذلك فيما تستمر عملية “تطوير“ قواعد الاشتباك، ضمن حرب استنزاف ممتدّة في الجغرافيا وفي القوة النارية وعمليات الاستهداف. ما يمنع الخروج عن ضوابط حرب الاستنزاف الممتدة في الزمان والمكان “توازن الردع“ الذي يشكل عنصراً أساسياً في منع اندلاع حرب كبرى.

يبقى السؤال قائماً حول البديل من حرب كبرى ولو مستبعدة… هل يتم ذلك عبر تفاهمات بين الأطراف الفعلية أو الفاعلة وليس بالضرورة “الرسمية“ فقط للحرب الدائرة حالياً؟ تفاهمات توفر تسويات وهدوءاً مرحلياً، أم يكمن البديل في التوصل الى صفقة إقليمية كبرى توفر الاستقرار بنحو أفضل وأطول زمناً من سلة التفاهمات التي أشرنا إليها. صفقة لا تخرج المنطقة نهائياً من مخاطر الحروب المختلفة الحدّة والأطراف، ما دامت إسرائيل، دون أي وازع، مستمرة في سياسة بناء إسرائيل الكبرى، عبر استكمال الضمّ الفعلي للضفة الغربية والطرد التدريجي لسكانها.

 الدكتور ناصيف حتي –  النهار

Leave A Reply