كتب عماد ياغي
في تاريخ الصراعات بين الحق والباطل دائما كان يوجد فوز وخسارة. ان هذا الصراع مستمر إلى قيام الساعة والحق مهما طال ركوده لا بد أن يعلو صوته وينتشر ضوؤه والله تعالى لا يظلم مثقال ذرة وهو القائل سبحانه: وما كان رَبُّكَ ليهْلِك الْقرَى بِظُلْم وأَهلُها مُصْلِحُون (هود:117).
إن الباطل في كل زمان ومكان يحشد جنوده من أجل محاربة الحق، ولا يأنف أن يستخدم أقذر الأسلحة التي لديه لمواجهته ؛ فلا مبادئ ولا أخلاق في صراع أهل الباطل مع أهل الحق.
بعد معركة أحد وما لحق بالمسلمين من خسارة ، كان لا بد من تحفيزهم وبثّ الأمل في نفوسهم من جديد، فالقرآن الكريم أخذ على عاتقه مهمة إعادة الثقة والعزيمة للمؤمنين بعد هذه الهزيمة المؤقتة. لقد خاطبهم الله سبحانه في سورة آل عمران قائلاً: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله). في هذه الآيات، ذكّرهم بأن الهزيمة ليست نهاية الطريق، وأن ما مرّوا به من ألم هو تجربة مشتركة مع أعدائهم، فقد هُزم المشركون في بدر كما هُزم المسلمون في أحد، (وتلك الأيام نداولها بين الناس). فالانتصار والهزيمة يتداولان بين الحق والباطل، وكل منهما له جولاته في الدنيا.
لقد كانت الهزيمة في بعض المواقع اختباراً لإيمان المسلمين وثباتهم، وفرصة لتمييز المؤمن الصادق من المدعي، والقوي في إيمانه من الضعيف. أحداث أحد كانت مثالاً واضحاً على هذه الحقيقة، إذ كشفت عن الذين كان إيمانهم هشاً وضعيفاً، فتزلزلت نفوسهم وشكّوا في صدق رسالة النبي (ص)، بينما زادت الهزيمة المؤمنين الأوفياء قوة وثباتاً في وجه التحديات.
وفي معرض تحليله لأحداث أحد، وصف القرآن حال بعض المسلمين الذين تأثرت نفوسهم بالإشاعات التي انطلقت حول مقتل النبي (ص)، حيث قال تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين). تلك الإشاعات جعلت البعض يتراجع عن إيمانه ويبحث عن الأمان لدى العدو، ظانّاً أن الأمور انتهت بوفاة الرسول (ص).
في هذه الظروف الحرجة، برزت مواقف إيمانية عظيمة من بعض الصحابة، مثل أنس بن النضر، الذي لم يتأثر بالأخبار المتداولة حول مقتل النبي (ص)، بل دعا المهاجرين والأنصار للثبات والقتال قائلاً: “إن كان محمد قد قُتل، فإن رب محمد لم يُقتل، فقاتلوا على ما قاتل عليه وموتوا على ما مات عليه”.
واليوم بعد أحداث ١٧ أيلول أقول أن التاريخ يعيد نفسه لاختبار ثباتنا وإصرارنا وايماننا فإما نكون أكثر قوة وثبات واطمئنان وإما أن نبث الاشاعات الكاذبة والتهويل المفتعل ونتخاذل كما يتخاذل المتخاذلون.