تركت تطوّرات الأيّام الأربعة الأخيرة، منذ يوم الثلاثاء في 17 أيلول الجاري عندما وقعت تفجيرات “البايجرات” الشهيرة وصولاً إلى يوم أمس الجمعة عندما شنّ الطيران الحربي الإسرائيلي عدواناً على الضاحية الجنوية لبيروت، إنطباعاً بأنّ التهديدات التي دأبت إسرائيل على توجيهها في الأيّام الأخيرة بنقلها مشهد الحرب من غزّة إلى لبنان قد وُضعت موضع التنفيذ، وبأنّ مرحلة جديدة وصعبة من الصراع في المنطقة قد بدأت، لا أحد يعرف كيف ستنتهي ومتى، ولا الصورة التي سيرسو عليها لبنان والمنطقة في اليوم التالي من الحرب العدوانية الإسرائيلية الجديدة.
ما حصل في الأيّام الأربعة الماضية سيستهلك، بلا شك، الكثير من التحليلات والآراء والمواقف المختلفة، وسيعطي كثيرون وجهات نظرهم التقنية والعسكرية بتفسير كيفية حصول الجرائم التي ارتكبها الصهاينة ضدّ لبنان، لكن سياسياً يكاد الكلّ يتفق، داخلياً وخارجياً، أنّ الأمور ذاهبة نحو التصعيد وعلى مستوى واسع.
فبعد أكثر من 11 شهراً ونيّف من حرب الإسناد التي تقوم بها المقاومة في لبنان ضد الإسرائيليين، وهي بقيت ضمن ضوابط وسقوف وقواعد إشتباك معينة، دلّت تطوّرات الأيّام الأربعة الأخيرة أنّ حكومة الكيان برئاسة بنيامين نتنياهو قرّرت الذهاب إلى تصعيد المواجهة مع المقاومة في لبنان بلا ضوابط وبلا سقوف، وهو قرار علّق عليه الرئيس السّابق للحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط بقوله: “نتنياهو إنتقل إلى مرحلة لبنان، وأتمنى أن أكون مخطئاً”، مع تسجيل مؤشّرات لافتة طيلة الأشهر الـ11 الماضية أظهرت أنّ قسماً كبيراً من اللبنانيين، مسؤولين ومواطنين، يتصرّفون ويعيشون وكأنّه ما مِنْ حرب في لبنان، ولا عدوان إسرائيلي غاشم يُشنّ عليه يتسبّب بسقوط شهداء وجرحى ودمار وتهجير.
وما حصل في الأيّام الأربعة الأخيرة تحديداً طرحت سؤالاً حول حجم التصعيد الذي سيشهده لبنان جراء العدوان الإسرائيلي عليه، وكيف ستتعاطى المقاومة وتردّ على هذا العدوان، بعد ارتفاع سقف المواجهة بين المقاومة والإسرائيليين، بشكل بات واقعاً أنّ شكل المواجهة الذي دام طيلة الأشهر الـ11 الماضية قد سقط وانتهت مفاعيله، وأنّ صفحة جديدة من الصراع قد بدأت للتّو.
هذه الصفحة الجديدة من الصراع بين المقاومة وإسرائيل والمفتوحة على كلّ الإحتمالات والتطوّرات، تطرح تساؤلات حول إن كان الصهاينة سيعمدون إلى القيام بعملية إجتياح برّي للبنان، محدودة أو واسعة، أم أنهم سيكتفون بشنّ غارات عليه، وضرب مواقع المقاومة في كلّ لبنان وليس الإكتفاء بمناطق جنوب الليطاني فقط، وتمدّد هذا العدوان نحو ضرب مواقع حيوية، وهل أنّ المقاومة ستكتفي في حال تطوّر الوضع نحو الأسوأ بدعم أميركي وغربي لم يعد خافياً، بالبقاء تحت سقف حرب إسناد للمقاومة في غزة، أم في الذهاب نحو مواجهة أوسع مع العدو، الذي يدرك أنّ التصعيد خارج مناطق قواعد الإشتباك سيجعل المواجهة مفتوحة على كلّ الإحتمالات.
عبدالكافي الصمد – سفير الشمال