نقولا ناصيف – الاخبار
الانتقال من 2020 الى 2021 ليس كافياً كي تبصر الحكومة النور. الاصح ان العراقيل نفسها ستورثها السنة الفائتة الى التي ستخلفها، ما دامت بين يدي الرئيسين وشروطهما المتصلبة. وحدها صدمة ما فوق طاقتهما تفرض عليهما التنازلات
لم يعد معروفاً مكمن تعثر تأليف الحكومة. داخلي مقصور على رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، أم خارجي ينتظر التسليم والتسلم في البيت الابيض ما بعد منتصف الشهر المقبل؟ كلاهما مبرران وذو صدقية. مشكلة داخلية لأنها حكومة السنة وعشرة اشهر مما تبقى من ولاية الرئيس ميشال عون، وخارجية لأن احداً لا يسعه من الآن التكهن بما ستكون عليه الرئاسة الاميركية الجديدة حيال ايران وذراعها القوية في لبنان حزب الله، وقد اضحت المواجهة مباشرة بين واشنطن والحزب على الارض في لبنان بوسائل معاقبة شتى.
مع انها ليست المرة الاولى يختلف رئيس للجمهورية ورئيس مكلف على حصصهما في حكومة جديدة، الا ان طبيعة الاشتباك الدائر حتى الاجتماع الرابع عشر بينهما والشروط المتبادلة، ناهيك بنقض ما يكون اتفق عليه في اليوم السابق، يوحي بأن اياً منهما ليس مستعجلاً تأليف الحكومة، او في احسن الاحوال يريدها بشروطه هو. اضحت المعادلة القائمة بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري – وقد تكون بدأت منذ اليوم الاول للتكليف وباتت الآن جلية تماماً – كالآتي: لن يسمح الاول للثاني بالوصول الى الحكومة التي يريدها، ولن يتخلى الثاني عن تكليفه اياً تكن الضغوط وإن اقتضى انتظاره كل ما تبقى من ولاية الاول.
هي بذلك ليست حكومة الاشهر الستة، كما قال عنها الحريري يوم وصف نفسه «مرشحاً طبيعياً». ليست حتماً «حكومة مهمة» من اختصاصيين تبعاً للمبادرة الفرنسية ما دام رئيسها اول غير الاختصاصيين وأحد المفترض إبعادهم على نحو ما قاله الرئيس ايمانويل ماكرون في قصر الصنوبر. ليست حكومة الاصلاحات البنيوية، ولا محاسبة الفاسدين وجناة انفجار مرفأ بيروت، بعدما بات مرشحاً ان يطول ربما الى اشهر قرار الهيئة الاتهامية الناظرة في «الارتياب المشروع» وحصر مجلس النواب به الاتهام والمحاكمة، وبعدما كشف قانون تعليق السرية المصرفية المُقرّ اخيراً عن ثغرة صغيرة مهملة مقدار ما هي جوهرية اساسية ومفتاح العقاب فيه، مفادها انها لا تعلق السرية المصرفية على الافراد الضالعين في صفقات اهدار المال، فيما تعليق السرية المصرفية محصور بالوزارات والادارات فقط وبالمال العام غير الخاضع في الاصل لها. ليست حتماً حكومة التحقيق الجنائي لحسابات مصرف لبنان بعدما اضحى حاكمه اقوى من الطبقة السياسية برمتها المدينة له، واقوى من الرئيس المكلف المدين له اول بأول. ليست حكومة الستة اشهر، بل السنة والعشرة اشهر مما تبقى من العهد والاحتمالات الخطيرة المتوقعة من الآن لما بعد شغور المنصب في اوانه الدستوري.
لأنها ذلك كله، يقارب رئيس الجمهورية والرئيس المكلف تأليف الحكومة على انه استحقاقه هو: عون لإنقاذ القليل المتبقي من عهده في السنة والاشهر العشرة المقبلة، والحريري لتقويض آخر هذا القليل الذي لم يسع خصوم رئيس الجمهورية واعداؤه من داخل النظام وخارجه ان يفعلوا.
ما دار ولا يزال في اجتماعات عون والحريري، انها ربما المرة الاولى منذ اتفاق الدوحة عام 2008، يبدوان وحدهما في الظاهر معنيين بتأليف الحكومة وبالخلافات الناجمة عنه. لا دور لرئيس مجلس النواب نبيه برّي، ولا لحزب الله، ولا للنائب جبران باسيل علناً على الاقل. الباقون جميعاً يتفرّجون وينتظرون. فُسِّر الصمت الشيعي على انه رضى على حصة الطائفة (حقيبة المال + توزير يوسف خليل وجهاد مرتضى لبرّي وابراهيم شحرور ومايا كنعان للحزب). وليد جنبلاط حاز حقيبة سيادية للمرة الاولى منذ عقود مختلفة عن التي اعتاد الدروز عليها كالداخلية والدفاع، فإذا هي هذه المرة الخارجية من شأنها ان تمسي او يجعلها جنبلاط سابقة.
اضحى رئيس الجمهورية والرئيس المكلف اسيري الصلاحية الدستورية التي وضعتها بين ايديهما المادة 53، بأن الزمت لصدور مرسوم تأليف الحكومة توقيعاهما على قدم المساواة. ما يظهره الحريري انه يريد من عون ان يمهر مسودة التأليف كما يفضّلها ويصرّ عليها، فيما يضع رئيس الجمهورية توقيعه الملزم على انه شرط المشاركة الفعلية والحقيقية في التأليف. يُسلّم عون للحريري بأنه الذي يضع المسودة. بيد ان هذه ليست كافية كي تعلن الحكومة الجديدة، ولا ملزمة للرئيس ان يمهرها كيفما اتفق او كان.
اجتماعاهما الاخيران الثلثاء والاربعاء المنصرمان، الثالث عشر في 22 كانون الاول والرابع عشر في 23 كانون الاول – مع ان الحريري خرج من الاول متفائلاً ومن الثاني عابساً – انبآ باستحالة التعايش بينهما.
منذ ما بعد ظهر الجمعة 18 كانون الاول، تقرّر موعد الثلثاء عندما حدد عون موعداً للحريري بناء على طلبه، على اثر اجتماعه بالبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي توقّع الثلثاء ان تبصر الحكومة النور في اليوم التالي. اذا باجتماع الغداة هو الاسوأ بين كل ما سبقه حتى هذا اليوم منذ التكليف.
رغم اتفاقهما المبدئي على معظم الحقائب الاخرى، ظلت حقيبتا الداخلية والعدل عالقتين. كلا الرئيسين يريدهما له كما الوزيران المرشحان لإشغالهما من غير ان يكون للآخر حق الفيتو عليه. في احدى محطات الاجتماعات، قَبِلَ الحريري بانتقال حقيبة الداخلية الى عون، في مقابل حصوله هو على حقيبة العدل. ترافق ذلك مع تفاهم على تقاسمهما الحقيبتين المدرارتين الاخريين الطاقة والاتصالات: مَن يحصل على الاولى يفز الثاني بالاخرى او بالعكس. لاحقاً تراجع الحريري عن تخليه عن الداخلية، وبات يصر عليها وعلى العدل. يريد للاولى زياد ابوحيدر وللثانية لمى عمر مسقاوي، فيما سمّى عون للاولى عادل يمين وللثانية جويل فواز. في اجتماع الاربعاء حضر الحريري حاملاً معه رفضاً كاملاً لاسم يمين ومعه ملف بصوره مع باسيل وحزبيين في التيار الوطني الحر كي يفصح عن عدم قبوله به كونه يعتبره حزبياً رغم تأكيد عون له انه وزيره هو. الى هذا الاجتماع ايضاً حمل عون الى الحريري ملفاً تضمن جدولاً بـ17 هيئة عامة ومؤسسة رسمية بما فيها هيئات الرقابة السابقة واللاحقة ناهيك بالصناديق، كلها تقع تحت سلطة رئيس الحكومة ومرجعيته، وهي الممسكة بكل مفاتيح الانفاق في الدولة ومعظمها ضالع في اهدار مال عام، كي يقول له بأنه لن يسمح له بالهيمنة على كل المقدرات.
تمسّك كل منهما بعناده، وبإصراره على شروطه، وبرفض ما يطرحه الآخر. فبدوا غير مستعجلين على 2020.