كتبت صحيفة الديار تقول: حصل تصعيد كبير على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، حيث شن طيران العدو «الاسرائيلي» في الدفعة الاولى عند ظهر امس 120 غارة ، من الحدود حتى الليطاني الى بعد 30 كلم، فيما ردت مقاومة حزب الله بقصف 90 صاروخ كاتيوشا على المراكز العسكرية «الاسرائيلية». ثم قام طيران العدو بغارات في الدفعة الثانية، ووصل حجم الغارات الى 50 غارة دون توقف.
واعلن قائد سلاح الجو «الاسرائيلي» تومر بار حال التأهب القصوى، وهي المرة الاولى التي تحصل منذ 7 اوكتوبر 2023. وتوقع وزير الحرب «الاسرائيلي» يوآف غالانت قصف صاروخي كبير يصل الى حيفا، والى كل المناطق حتى الحدود مع لبنان، وطلب تعليق الدروس من حيفا حتى حدود لبنان قائلا: «ان الوضع خطر جدا».
اما مقاومة حزب الله، وبعد الغارات المكثفة التي قام بها العدو «الاسرائيلي»، فقصفت باكثر من 200 صاروخ كاتيوشا كامل المناطق في شمال فلسطين، حتى الوصول الى عمق بحجم 10 كلم.
ويمكن اعتبار الغارات الجوية والقصف الصاروخي هما الاعنف منذ بداية الحرب بين المقاومة والعدو الاسرائيلي. وقد دعا على الاثر نتنياهو الوزراء الامنيين والقادة العسكريين وقادة «الموساد» و»الشاباك» الى اجتماع طارئ، وقالت انباء ان نتنياهو يسعى الى حرب شاملة، فيما مقاومة حزب الله تتحضر لهذه المواجهة الشاملة، حيث تحركت من جنوب لبنان باتجاه الحدود وادخلت اسلحة صاروخية شاملة، وتستعد لمعركة شرسة جدا قد تحصل اليوم.
وذكرت هيئة البث «الاسرائيلية» ان نتنياهو اجتمع مع القادة العسكريين وبعض الوزراء الامنيين تحت الارض في «تل ابيب» في الملجأ الخاص بوزارة الدفاع، وسيطلق عمليات بحجم حرب شاملة. اما مقاومة حزب الله، فقد استعدت بكل انواع الاسلحة التي لديها، وقد لا يتوقف الأمر على اطلاق صواريخ كاتيوشا، بل من المحتمل اذا شنت «اسرائيل» بداية حرب وقامت بقصف جوي عنيف، ان يستعمل حزب الله الصواريخ الباليستية والصواريخ دقيقة الاصابة.
خرق «إسرائيل» لمعاهدة جنيف
لم يعد خفيا على أحد، مدى الإجرام الصهيوني تجاه الشعوب العربية، بعد كل ما مارسته «اسرائيل» وتُمارسه من أعمال عسكرية، ضربت فيها بعرض الحائط كل المواثيق والمعاهدات الدولية، التي ترعى حقوق الإنسان وحماية المدنيين في زمن الحروب. هذا الإجرام لم يقتصر على العرب فقط، بل إن التاريخ يُخبرنا أن «بن غوريون» قام بإعطاء الأوامر بضرب سفينة «إيتسل» التي كانت تنقل أسلحة ومهاجرين يهود إلى فلسطين المحتلّة في حزيران 1948، وقُتل نتيجة هذا الهجوم 16 شخصا من اليهود.
تتضمّن اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية، قواعد للحدّ من وحشية الحروب. وتهدف هذه الاتفاقيات إلى حماية الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال، من مدنيين ومسعفين وعمال إغاثة، كما الذين يعجزون عن القتال كالجنود الجرحى والمرضى والمنكوبين في البحار وأسرى الحرب. هذه الاتفاقيات تحوي على قواعد صارمة للتعامل مع ما يعرف بـ «المخالفات الجسيمة»، والتي تفرض ملاحقة مرتكبي المخالفات الجسيمة ومحاكمتهم أو تسليمهم، أيًا كانت جنسيتهم.
يمكن الجزم أن «إسرائيل» خالفت كل بنود معاهدة جنيف وملحقاتها في الأراضي الفلسطينية، وحوّلت الحرب في غزّة إلى حربٍ بربرية أشبه بما كان يحصل في العصر الحجري. ولعل أهم ما خالفته «إسرائيل» في قطاع غزّة هو قتل الأطفال والنساء الذين تخصّهم معاهدة جنيف بالذكر تفصيليا، وضربت المستشفيات التي أيضا خصتها المعاهدة بعدة مواد، تنص على عدم التعرّض للمستشفيات وطواقمها، بل أكثر من ذلك حمايتها. أكثر من 50 ألف قتيل في غزّة معظمهم من الأطفال والنساء، تمّت تصفيتهم على يد آلة الإجرام الإسرائيلي.
وفي لبنان، من منا لا يتذكّر مجازر قانا 1 وقانا 2، وحديثا تفجيرات «البايجرز»؟ مجازر قانا 1 وقانا 2 واضحة من باب استخدام العدو صواريخ لضرب المدنيين الأبرياء. أمّا مجزرة «البايجرز»، فهي عمل إجرامي بامتياز يخالف معاهدة جنيف، من باب أن مَن أخذ أمر تفجير هذه الأجهزة لا يعلم ما إذا كان هناك أطفال يلعبون بهذه الأجهزة، أو أفراد عائلة كانوا بالقرب من هذه الأجهزة، مما يعني أن نية المجزرة كانت موجودة لدى مَن أعطى الأمر، بحسب ما صرّح به أستاذ في القانون الدولي لـ «الديار» الذي استغرب سكوت المجتمع الدولي عن الجرائم الإسرائيلية.
«إسرائيل» تريد الحرب بأيّ ثمن
دمّرت «إسرائيل» البنى التحتية كاملة في غزّة وقتلت أكثر من 50 ألف فلسطيني، وعلى الرغم من ذلك لم تستطع تحقيق أي من أهدافها التي وضعتها في بداية عملية طوفان الأقصى. قدرة الشعب الفلسطيني على التحمّل واستيعاب الإجرام الإسرائيلي، وضع الحكومة «الإسرائيلية» في وضع صعب أمام الرأي العام العالمي (على رغم من تواطؤ البعض من الدول). من هذا المنطلق، يحاول نتنياهو وحكومته نقل المعركة إلى لبنان، عبر استفزاز حزب الله من خلال عمليات إجرامية كالتفجيرات التي حصلت يومي الثلاثاء والأربعاء الماضي، وتبعتها عملية إجرامية أخرى استهدفت مباني سكنية في الضاحية الجنوبية، وذهب ضحيتها عددٌ من مقاتلي الحزب وضحايا مدنية معظمهم أطفال ونساء.
أكثر من ذلك، تعرّض جنوب لبنان أمس، إلى موجة غارات تُعتبر الأعنف منذ بدء الحرب، حيث قام جيش الاحتلال بتنفيذ سلسلة من الغارات الجوية العنيفة (أكثر من 100 غارة) استهدفت بلدات وقرى في الجنوب اللبناني، مثل ميس الجبل، وتفاحتا، والخرايب من جهة عدلون، والنجارية من جهة البيسارية، وبلدة السريرة والقطراني وشبيل، والمحمودية جوار العيشية بجبل الريحان في منطقة جزين، ومنطقة عين الزرقا في بلدة طيرحرفا في القطاع الغربي، وبلدة مروحين والنبطية وكفرشوبا. وترافقت هذه الغارات مع تحليق للطيران الاستطلاعي والمسّير والحربي بشكل مكثّف فوق الجنوب.
نسأل أحد الخبراء العسكريين: هل الحزب عاجز عن الردّ على «إسرائيل»؟ بدون تردّد يقول الخبير كلا! القضية ليست قضية قدرة على المواجهة. العدو يريد جرّ حزب الله إلى الردّ الواسع واجتياح الجليل، لتبرير عمليات تدمير شامل تقوم بها «إسرائيل» في لبنان كما حصل في غزّة، وهذا الأمر تعيه جيدا قيادة حزب الله. منذ اليوم الأول، قالها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ان جبهة لبنان هي جبهة مساندة وحتى الساعة هي كذلك، على الرغم من العمليات «الإسرائيلية» الأخيرة.
ويضيف الخبير العسكري: حزب الله يعرف أن الأميركيين لن يسمحوا بهزيمة «إسرائيل» أمام حزب الله، لذا سيقومون بضرب مناطق في لبنان من بوارجهم، بحجّة ضرب مراكز لحزب الله، وهو ما سيؤدّي إلى زيادة معاناة الشعب اللبناني، وهذا ما لا يريده حزب الله. وأكد الخبير ان القضية ليست قضية قدرة، فلدى حزب الله خطط موضوعة، وتم تدريب عناصره عليها لاقتحام الجليل، وهو قادر على إحداث تغيير جغرافي على هذا الصعيد. إلا أن المخاوف لدى الحزب هي من استهداف المواطنين اللبنانيين من قبل آلة الإجرام «الإسرائيلية» وهم قادرون على ذلك، ومن قبل الأميركيين من بوارجهم في البحر.
ويشير الخبير العسكري الى ان هناك توجّها واضحا لدى نتنياهو وقسم من المسؤولين الأميركيين، باستفزاز حزب الله وجرّه إلى معركة، تصبح فيها الولايات المُتحدة الأميركية ملزمة بالدفاع عن «إسرائيل»، خصوصا في فترة ما قبل الانتخابات. ويعتبر إلى أن الإدارة الأميركية الحالية ليست مع توسيع الحرب، نظرا إلى الضرر على مجرى الانتخابات الرئاسية، لكنها ليست ضدّ ما تقوم به «إسرائيل» ضدّ لبنان وحزب الله من عمليات عسكرية وأمنية.
ويتابع الخبير العسكري ان نتنياهو لا يقول كل شيء للإدارة الأميركية، لكن بالتأكيد يُشرك بعض المسؤوليين الأميركيين بكل ما يخطّط له. هدف نتنياهو واضح: فتح حرب شاملة مع حزب الله، وهو ما انتقدته وسائل إعلامية «إسرائيلية» عبر قولها : «ليس هناك أي منطق في شن هجوم بري في الشمال، فحكومتنا غير عقلانية».
هذا الأمر يمكن استنتاجه أيضا من مقال من صحيفة الـ «واشنطن بوست» التي كتبت: «رغم أن هجمات أجهزة البايجر تمثل انتصارا تكتيكيا للمؤسسة الأمنية «الإسرائيلية»، فإنه ليس من الواضح ما هي الأهداف الاستراتيجية التي حققتها». وقال مسؤول «إسرائيلي» سابق رفيع المستوى: «إن التوقيت لا يعكس تحركاً استراتيجياً من جانب «إسرائيل»، لقد كان التوقيت مصادفة بسبب أشياء ربما حدثت على الأرض ، والتي كانت لتسمح بكشف هذه القدرة».
في الواقع، كل ما في الأمر أن «إسرائيل» تريد حربا شاملة مع حزب الله بأي ثمن! لذا يعتقد البعض، ومنهم صحيفة الـ «واشنطن بوست» أن الحرب بين لبنان و «إسرائيل» حتمية.
حزب الله يلتزم عدم استهداف المدنيين
إلى هذا، ردّ حزب الله على الهجمات «الإسرائيلية»، حيث استهدف موقع «جل العلام» بقذائف المدفعية، وأطلق عشرات الصواريخ على شمال «إسرائيل» في الجليل الأعلى والغربي، ونجم عن ذلك اندلاع حرائق في مناطق مختلفة. كما قصف حزب الله قاعدة الدفاع الجوي الصاروخي الأساسية لقيادة المنطقة الشمالية في ثكنة «بيريا» بصواريخ كاتيوشا، واستهدف مركز تموضع «كتيبة استطلاع 631 « التابع «للواء غولاني» في ثكنة «راموت نفتالي». وهو ما يُظهر أخلاقيات حزب الله، الذي لا يستهدف بأي شكل من الأشكال المدنيين، بل نقاطا عسكرية تابعة لقوات العدو، على عكس جيش الاحتلال الذي يقوم بقتل المدنيين عن سابق تصور وتصميم.