ذو الفقار قبيسي – اللواء
خلال غداء في منزله الريفي خارج العاصمة «بيونغ يانغ» قال لي الزعيم الكوري كيم ايل سونغ في مقابلة صحفية أجريتها معه في الثمانينيات أن تحقيق توازن الرعب اعتمادا على النفس في الدفاع، لا يكفي إذا لم يقترن باكتفاء في الاقتصاد. وعندما سألته عن أهم أولوية للاشتراكية في كوريا مقابل أولوية اشتراكية روسيا التي كانت عشية انتصار الثورة «تعميم الكهرباء»، أجابني: أولويتنا الآن هي الأسمدة أو الـFertilizers لأنه كما قال «الأسمدة هي الرز.. والرز هو الاشتراكية».
وفي لبنان كما في أي بلد يسعى الى الأمان، ومهما كانت صيغة «توازن الرعب» فان أي استراتيجية عسكرية تتوصل إليها القوى السياسية اللبنانية، تبقى مكبّلة القوة وفاقدة المضمون إذا لم تترافق مع «استراتيجية اقتصادية» في «توازن اقتصادي – اجتماعي» بين مختلف طبقات الشعب التي وقد أصاب أكثرها الفقر والعوز والوباء، باتت أولوياتها الغذاء والطاقة والدواء، بما ينطبق على قول جبران خليل جبران قبل مائة عام: «إذا غنيت للجائع سمعك بمعدته»! كما حال لبنان الآن في اقتصاد منهار وشعب فقير ودولة متهرئة لا تنتج سوى أزمات سياسية ومشاكل اقتصادية وعجوزات مالية وكوارث اجتماعية تزداد حدة وقساوة لا تفصح أرقامها الحالية عن راحة ولا مؤشراتها المستقبلية عن استراحة في ناتج ضامر ونقد عائم ودين قائم على ١٠٠ مليار دولار و١٠٠ مليار دولار إضافية عبء قادم تحت نير حكم ظالم لا يستمع إلا لغرائزه، همّه الوحيد وضع اليد على ما بقي في البنيان المنهار من نوافل وأطيان! فيما الجزء الأكبر من الشعب بات بين الفقر والفقر المدقع (تقرير اليونيسيف) والجزء الأكبر من شبانه وشاباته زاده انفجار بيروت المروع اكتئابات وصدمات (تقرير الجامعة الأميركية) ودفق رؤوس الأموال يتراجع في جفاف المدفوعات و«نشفان» الاحتياطيات (تقرير الـ IIF معهد التمويل الدولي). في دولة يضعها الهزال السياسي والفراغ الحكومي والفساد المالي والانحراف القضائي بين منظومة دول «تفقر الشعب وتجرّده من قوته المالية وتضعه تحت رحمة قوى خارج إطار الدولة تنتهك القانون وتسلب الناس وتثير الفوضى» (تقرير مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد). وإذا كانت أعمال هذه القوى تنحصر في سرقة المال الخاص فان سرقات السياسيين وهدرهم للمال العام كما يقول وزير الأوقاف في مصر الشيخ الدكتور محمد مختار جمعة، «أكثر حرمة وإجراما لأنها سرقة أمة بكاملها تتعلق بها حقوق كل فرد من أفراد الأمة، وهي لا تنحصر كمال قال في بعض أنواع الاختلاس وإنما تشمل أي انتفاع أو أي استخدام غير قانوني للرساميل والموجودات العامة مثل الإعلان عن مناقصات وهمية أو اجتماعات أو مؤتمرات لم تحصل على أرض الواقع لتحقيق مكاسب ومنافع مالية بطرق غير شرعية».