إنقلب المشهد رأسا على عقب، من إجتماعات مجلس الأمن والاتفاق الأميركي الفرنسي المدعوم غربيا وعربيا حول وقف مؤقت لاطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، الى قمة الغدر الصهيوني باستهداف الضاحية الجنوبية بآلاف الأطنان من الصواريخ في محاولة لإغتيال القيادة الأساسية للمقاومة وعلى رأسها السيد حسن نصرالله، وما تلا ذلك من غارات بربرية وحشية إستهدفت العديد من المباني في مختلف شوارع وأحياء الضاحية بحجة وجود مصالح وأسلحة لحزب الله فيها.
هذا الاستهداف الوحشي حوّل الضاحية الى كتلة من النيران على مدار ساعات الليل وعزلها عن محيطها فلم تتمكن سيارات الاسعاف والدفاع المدني من الدخول لنقل الشهداء والجرحى وإطفاء النار إلا عند ساعات الصباح الأولى، فيما تكثفت عمليات النزوح من قبل الاهالي الذين أمضوا ليلتهم في شوارع بيروت بانتظار إيجاد مراكز إيواء جديدة لهم سواء في العاصمة أو في مناطق أخرى.
سارعت الدول المتحمسة للحل الدبلوماسي الى إغماض عينيها وبلع ألسنتها تجاه ما إرتكبته وترتكبه إسرائيل بحق لبنان وشعبه، إلا من بعض بيانات بصياغات خشبية لم تعد تجدي نفعا، أمام وحشية نتنياهو وآلته العسكرية التدميرية.
في حين نفضت الولايات المتحدة الأميركية يدها من غارات الاغتيال، التي دمرت ست مبان في حارة حريك كان بعضها يستخدم كمراكز لقيادة المقاومة ومجلس الشورى وقطاعات أخرى، وأكدت أن إسرائيل لم تبلغها بالعملية وبالتالي لم يكن لديها أي علم بها..
على قاعدة: “إن كنت تدري فتلك مصيبة وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم” يمكن التعاطي مع موقف الولايات المتحدة الأميركية، خصوصا أنها لو كانت على علم فهذا يعني شراكتها الواضحة بإستهداف لبنان ورأس المقاومة، وإن كانت لا تدري فذلك يعني أن نفوذها باتجاه الاسرائيلي بات صفرا، وهي على مسافة ستة أسابيع من الانتخابات الرئاسية لا تملك سوى دعم هذا العدو بالمال ومدّه بالسلاح لاستكمال عدوانه على غزة وعلى لبنان، من أجل خطب ودّ اللوبي الصهيوني، ما يجعلها في مطلق الأحوال شريكة أساسية وداعمة لكل ما يقوم به العدو.
من الواضح، أن نتنياهو إستهان بكل زعماء العالم الذين انتظروه في نيويورك لمناقشته في إتفاق وقف إطلاق النار، حيث وقبل مغادرته وافق مع وزير الحرب يوآف غالانت على عملية إغتيال قيادة المقاومة والسيد نصرالله، وإرتكاب المزيد من المجازر بحق المدنيين اللبنانيين وتدمير منازلهم، ما يعني أن نتنياهو كان ولا زال وسيبقى ضاربا بعرض الحائط لكل القرارات والمواثيق الدولية ولشرعة حقوق الانسان من دون حسيب دولي أو رقيب أممي.
ربما وجد نتنياهو المنتشي بانجازات القتل من البايجر والأجهزة اللاسلكية الى الغارات الغادرة، أنه قادر على تعزيز معادلة النزوح بالنزوح، وأن الفرصة مؤاتية بعد إغتيال أكثرية القادة الميدانيين في المقاومة ليس للضغط لفصل جبهة الجنوب عن جبهة غزة، فحسب، بل لإمكانية إضعاف حزب الله بشكل كبير باستهداف رأس المقاومة وضرب حاضنتها الشعبية وتشريدها، ومن ثم تقديم كل ذلك كبدل عن ضائع في غزة الى المجتمع الاسرائيلي الذي ما يزال ينتظر إبرام صفقة التبادل لاعادة الأسرى الاسرائيليين لدى حماس.
ومهما كانت نتائج الغارات الصهيونية على الضاحية وخسائرها المادية والبشرية، فإن الأمور لن تنتهي وفق أحلام نتنياهو الذي بدأ بمحاولات واضحة لاستثمار ما قام به في الداخل الاسرائيلي على المستويين الشعبي والانتخابي وعلى صعيد توجيه الضربات لمعارضيه.
أما ضربات المقاومة التي لم تتوقف على المستوطنات بالرغم من توسيع العدوان على الضاحية والجنوب والبقاع وصو الى جبل لبنان، فإنها ستستمر وتتصاعد حتما، بإنتظار إلتقاط الأنفاس وتغيير القواعد ووضع مقاربات عسكرية جديدة، خصوصا أن المقاومة بإعتراف الاسرائيليين ما زالت تمتلك قوة صاروخية هائلة وقدرات تستطيع من خلالها رسم معادلات جديدة وإيلام الصهاينة، خصوصا اذا ما تم تفعيل وحدة الساحات وتثبيت تعاونها على كسر صورة النصر التي يحاول نتنياهو تظهيرها..
غسان ريفي – سفير الشمال