لم يمض الكثير من الوقت على تحذير برنامج الغذاء العالمي، لبنان من مواجهة أزمة غذاء. فقبل نحو عامين قدّر البرنامج عدد اللبنانيين الذين يواجهون أزمة غذاء بنحو نصف عدد السكان أي قرابة مليونين و500 ألف مواطن (47.5 في المئة) ولم يكن اللبنانيون حينها في مواجهة حرب شرسة مع إسرائيل إنما كانوا بمواجهة أزمة مالية وانهيار عملتهم الوطنية.
اليوم وبعد عام على وقوع الحرب بين لبنان وإسرائيل، وعقب أيام من توسع نطاق القصف الإسرائيلي وإلزام اللبنانيين على النزوح من مناطقهم في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية، باتت مؤشرات أزمة الغذاء أكثر وضوحاً وأشد عمقاً من ذي قبل. فالمواطن العامل الذي كان يعاني من ضعف في تأمين معيشته بات اليوم عاجزاً تماماً في ظل موجة النزوح التي طالت مئات الآلاف من اللبنانيين.
دعم غذائي غير كاف
تستند لجنة الطوارئ في لبنان على برنامج الغذاء العالمي كأحد شركائها في وضع الخطة للتعامل مع الحرب وتداعياتها، غير أن الأعداد الهائلة للنازحين الهاربين من القصف الإسرائيلي إلى المناطق الآمنة خلال أيام قليلة شكّلت صدمة للقيّمين على تنفيذ الخطة.
وبحسب أرقام لجنة الطوارئ تجاوز عدد النازحين المليون شخص منهم نحو 500 ألف مواطن نزحوا خلال 48 ساعة من ضاحية بيروت الجنوبية إلى بيروت الإدارية والجبل. وتقدّر اللجنة عدد النازحين في مراكز الإيواء في بيروت فقط بنحو 250 ألف شخص. لا يتمتع جميع هؤلاء بقدرات مالية تمكّنهم من تأمين معيشتهم، فالغالبية الساحقة من النازحين نجوا بأرواحهم فقط مخلّفين وراءهم منازل ووظائف وأعمال ومدخرات وكل مقومات العيش.
في مراكز الإيواء يؤمّن برنامج الغذاء العالمي وجبات غذائية بشكل مستمر، لكنها -بحسب مصدر من اللجنة- “غير كافية” والكميّات تقل كثيراً عن أعداد النازحين. لذلك تعمل اللجنة على تأمين مصادر أخرى للدعم بالغذاء. كما أن مراكز الإيواء لا تتّسع لجميع النازحين، فالعشرات منهم وربما المئات لا يزالون في شوارع بيروت، ويقول المصدر نعمل على تأمين أماكن لهم من خلال فتح مراكز إيواء جديدة.
ولا تقتصر التحدّيات أمام لجنة الطوارئ على استحداث مراكز إيواء إنما أيضاً على تأمين المستلزمات الرئيسية للنازحين والغذاء بشكل مستمر وهو ما يعجز عنه الشركاء في لجنة الطوارئ. فالنازحون يعانون نقصاً هائلاً في الغذاء وتقول إحدى النازحات إلى أحد مراكز الإيواء في بيروت أنها تحاول تقنين استهلاك الغذاء الذي يتم تقديمه كمساعدات خوفا ًمن فقدانه كلّياً فيما لو تطورت الأمور سلباً، وتعرب عن خوفها من إنفاق المال الذي بحوزتها “وهو مبلغ صغير جداً” لضمان انتقالها وأطفالها إلى منطقة أخرى في حال اتسعت رقعة القصف الإسرائيلي وشملت بيروت.
على حافة الهاوية
لبنان على حافة الانهيار ولا يمكنه تحمّل حرباً أخرى، هذه خلاصة متابعة برنامج الأغذية العالمي للأوضاع على الأرض. فالبرنامج أطلق عملية طارئة لتقديم المساعدات الغذائية لمليون شخص متضرر من الحرب في لبنان، ويراقب عن كثب خطورة التطورات الأمنية وانعكاسها على مئات الآلاف من اللبنانيين.
ويعمل البرنامج على تأمين وصول “حصص غذائية جاهزة للأكل وخبز ووجبات ساخنة وطرود غذائية على الأسر في الملاجئ في جميع أنحاء لبنان”. وقد وصلت مساعدات برنامج الأغذية العالمي في غضون أيام قليلة إلى آلاف النازحين الجدد، بحسب مدير البرنامج في لبنان ماثيو هولينغورث.
وإذ أكد هولينغورث استعداد البرنامج لمساعدة ما يصل إلى مليون شخص من خلال مزيج من الدعم النقدي والغذائي مع تفاقم الأزمة، دعا المجتمع الدولي إلى تقديم الدعم لتوفير 105 ملايين دولار حتى نهاية العام لدعم الاستجابة الإنسانية.
ومع توسيع إسرائيل نطاق غاراتها على لبنان واستشهاد أكثر من 1600 شخصاً وجرح أكثر من 8000 ونزوح قرابة المليون، حذرت المديرة الإقليمية للبرنامج في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا كورين فلايشر، من أن “لبنان على حافة الانهيار، ولا يمكنه تحمل حرباً أخرى”.
وأتت الحرب مع إسرائيل وأزمة إغاثة النازحين في وقت يواجه فيه لبنان انخفاضاً قياسياً في قيمة العملة، وارتفاعاً هائلاً في مستويات التضخم الغذائي مقارنة بمستويات ما قبل كوفيد 19. ووفقًا لأحدث تقرير للبنك الدولي صدر في أيار من العام الجاري 2024، تضاعف الفقر في لبنان أكثر من ثلاثة أضعاف على مدى العقد الماضي، ووصل إلى أكثر من 44 في المئة من السكان، لتأتي أزمة النزوح اليوم وما يرافقها من ضعف إمكانات لترفع مستوى مخاطر نقص الغذاء وتهديد مئات الآلاف من اللبنانيين.
عزة الحاج حسن – المدن