لطالما تمنى “سماحة الشهيد السيد حسن نصرالله” أن يصلي في القدس وأن يكون من الجيل الذي يدخل فلسطين محرِراً، فإذا بصواريخه تصل أمس لتصلي هناك، وتُدخل الرعب الى قلوب الصهاينة، وتؤكد أن المقاومة مستمرة وقادرة على أن تقض مضاجعهم أين ما كانوا وأين ما حلوا بعد عملية الاغتيال الجبانة التي أدت الى إرتقاء سيد المقاومة وقائدها شهيدا على طريق القدس.
ثلاثة عقود ونيّف و”السيد الشهيد” يشكل محور العمل المقاوم في هذه المنطقة حتى غدا صاحب الكلمة الفصل والمسؤول عن أمن المحور وسلامة أراضيه.
لم يترك وسيلة إلا وعمل على إستثمارها لتحصين المقاومة وتقوية شوكتها وتثبيت وجودها وفرض هيبتها على العدو وبناء توازن رعب يحول دون إستباحته الأرض التي كان ينظر إليها من خلف الحدود ولا يجرؤ على دخولها.
هو بطل التحرير عام ألفين، وقبله قائد المواجهة في عناقيد الغضب في نيسان 96 والتي أنتجت تشريعا دوليا للمقاومة في الأمم المتحدة، وبعده مُرعب الكيان في عدوان تموز 2006، ومن ثم منتج قوة الردع التي منعت العدو عن أراضي لبنان 18 عاما.
كان يؤمن أن الدم المقاوم سينتصر على السيف، وأن العين المؤمنة ستواجه المخرز، وأن لا تفاوض ولا مساومة على قضايا الأمة ولا سيما قضية فلسطين التي كان رأس حربة فيها، يعدّ العدة للتحرير التاريخي الذي كان حلما يراوده ويرافقه في كل محطات حياته.
لذلك لم يتوان “السيد الشهيد” عن فتح جبهة الإسناد في الثامن من أكتوبر دعما لغزة وشعب فلسطين ومشاغلة للعدو الذي أضطر لإبقاء ثلث جيشه عند الجبهة الشمالية.
إثنان وثلاثون عاما، نسج “سماحة الشهيد” مع بيئة المقاومة حكايا حب وعطاء ووفاء وولاء متبادل، وأدخل إلى عائلاتها صلابة غير مسبوقة وقدرة هائلة على التحمل، فكانت جنازات المقاومين أعراس شهادة يتقبلها الآباء والأمهات بالصبر والرضى فداء للمقاومة ولسيدها وللقضية السامية في المواجهة والتحرير، وكانت إبتساماته وكلماته تبلسم الجراح وتختمها على عهد مواصلة المسيرة طلبا لإحدى الحسنيين النصر أو الشهادة.
صلبٌ، عقلانيٌ، قويٌ، محبوبٌ، هو “سماحة الشهيد” يُغرق من معه بتواضعه ويأسره بإشراقة وجهه ولين كلامه، ينزع نحو السلام، يستوعب الصدمات ولا يتعاطى بردات فعل، قاهر للعدو، ناصر للمظلوم، صادح بالحق، ينطلق في كل مقارباته السياسية من إيمان حقيقي راسخ ومن عقيدة غير قابلة للمساومة، وبشجاعة قلّ نظيرها، لذلك شكل لبيئته مصدر قوة وثقة وطمأنينة وأمن وأمان وإستقرار.
تغلغل “سماحة الشهيد” في الضمير الجمعي، ودخل القلوب بدون إستئذان، وهو صاحب الوعد الصادق الذي لم يخلفه يوما، باستثناء ذاك المساء من جمعة حزينة غدره فيها العدو الصهيوني، مخلفا زلزالا في النفوس والعقول والقلوب قبل الأرض، وتاركا جرحا نازفا في بيئة إعتادت على حضور السيد وخطابات السيد ومرجعية السيد وحماية السيد.
هذا السيد الشهيد أتم واجبه على أكمل وجه، ونال ما كان يطلب من شهادة في سبيل الله، تاركا وراءه مقاومة صلبة وشعبا صامدا ونهجا جهاديا سيشكل خارطة طريق لأجيال من مقاومة ولّادة للكوادر والقادة الذين سيكملون الطريق نحو القدس على خطى أيقونة الجهاد في هذا العصر سماحة السيد الشهيد حسن نصرالله..
غسان ريفي- سفير الشمال