التقديرات غير النهائية تشير إلى أنّ مليون شخص من مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية تركوا منازلهم، واستقرّ أكثر من 120 ألفاً منهم في مراكز الإيواء (مدارس وغيرها…) في ظروف صعبة للغاية، وأكثر صعوبة بالنسبة إلى من يقطنون في منازل لم يدقّ أبوابها أحد، لا دولة ولا جمعيات، فيما تبقى العائلات التي تفترش الطرقات لليلة الثالثة الأكثر هشاشةً.
وقد شكّل اغتيال السيد حسن نصر الله، وما تبعه من عدوانٍ واسع على الضاحية منذ يوم الجمعة، نقطة تحوّل جديدة في ملف النزوح. ففي غضون ثلاثة أيام (من مساء الجمعة حتى مساء أمس)، قفز عدد النازحين من 250 ألفاً إلى مليون، ما فاقم العجز القائم أصلاً، في غياب المساعدات الخارجية، سواء على صعيد الدول أو على صعيد المنظمات الدولية الغائبة تماماً، بعكس ما حصل عقب انفجار مرفأ بيروت، حيث غرق البلد بأكوام المساعدات على أنواعها من اليوم التالي للانفجار.
بـ«القطارة»، تقدّم منظمات الأمم المتحدة مساعداتها، مصرةً على خنق النازحين أكثر، تارة بحجّة وضع الخطط، وأخرى بحجة البيروقراطية، علماً أنّ بإمكانها تسهيل الصرف وتأمين التمويل، وفق عارفين بعالم الجمعيات وعملها. وكان لافتاً أن برنامج الغذاء العالمي أعلن حاجته إلى الدعم ليتمكّن من تلبية حاجة النازحين من الوجبات الساخنة المفترض أن يقدمها يومياً، وهي لا تزال دون المطلوب بكثير. توجّه البرنامج نحو الجهات المانحة علّها تدعمه، لم يكن متوقعاً في أوساط العاملين في الحقل، باعتبار أنّ المانحين يفترض أنّ يمتلكوا المبادرة، في حالةٍ طبيعية، وأنّ ما يحصل «ليس مفهوماً إلا في إطار خنق بيئة النازحين لخلفيات سياسية».
من جهتها، الجمعيات المحلية مستمرة بالعمل، معتمدة على مواردها المحدودة وعلاقاتها الخاصة، الى جانب مبادرات أهلية حاولت استيعاب الأعداد الإضافية الوافدة إلى المدارس في بعض المناطق. ففي ثانوية بيصور، جهّز المسؤولون ملعب المدرسة كي يستقبلوا فيه النازحين الجدد من الضاحية، بعدما اكتظّت الصفوف. وبادر أحد أبناء البلدة الى فتح مبنى كان يستخدم كمدرسة خاصة، ليتحول إلى مركز إيواء. وبالتوازي، يُعمل على فتح فندق قيد التأهيل. هكذا تجد البيئة الحاضنة للنازحين في الجبل حلولها الخاصة. وكذلك في صوفر حيث قُدّمت القاعة العامة التي تقام فيها المناسبات، لخدمة النازحين. وفي بلدةٍ ثالثة، تخلى الأهالي عن قاعة من اثنتين. أما ليل الجمعة – السبت، وبعد استهداف الضاحية، ومع توجّه عائلات كثيرة إلى قضاء ليلتهم في سياراتهم المركونة على جوانب الطرقات في الجبل، فقد نظّم شباب بعض القرى جولات لتوزيع مياه وأغطية على النازحين.
رغم كل المحاولات، تبقى التحديات قائمة في جميع المناطق، حتى في مدارس بيروت والبقاع. ففي جردة للاحتياجات، يظهر أن أصحاب الأمراض المزمنة والنساء الحوامل ليس هناك من يهتمّ بأمورهم، وأن أعداد النازحين أكبر بكثير من طاقة المراكز على الاستيعاب. فيما استخدام المراحيض والاستحمام يشكلان أزمة حقيقية، إضافة إلى تكدس النفايات. كما أن الطعام والمياه المتوفّر أقلّ من الحاجة، الى درجةٍ شوهد الاطفال يشربون من مياه الاستخدام غير النظيفة في مدرسة «العلامة صبحي الصالح الرسمية». حليب الأطفال، هو أيضاً حاجة ملحّة.
رسمياً، تفيد المصادر بأنّ «الوزارات لا تُبادر إلى فعل شيء، ما عدا وزارة الصحة، فيما تتكل الوزارات الأخرى على لجنة الطوارئ، مع العلم أنّ الدور داخل اللجنة تنسيقي، بين الأطراف أي الوزارات التي يقع على عاتق كل منها وظيفة معينة».
وسط كل هذا المشهد، لا تزال المنظمات الدولية المعنية باللاجئين تستغل الظرف لخلفيات سياسية، وهي طرحت نقل النازحين السوريين من البقاع والجنوب والضاحية إلى شمال لبنان لأن هؤلاء هم أولويّتها. وقد سمعت، حسب المصادر، أنّ «التخلّي عن النازح اللبناني اليوم وإعطاء الأولوية للنازحين الآخرين ليس مقبولاً»، وأن «انتقالهم الى مخيمات الشمال أو بناء مخيّمات مؤقتة لهم في الشمال بدوره أمر غير مطروح».
ندى أيوب – الأخبار