دخل حزب الله مرحلة تجديد قيادته على المستويين العسكري والتنظيمي، بعدما تمكن العدو الاسرائيلي من إغتيال عدد كبير من أركانها خلال الفترة الماضية نتيجة الاختراقات التكنولوجية التي قام بها بمساعدة دول عظمى تضع كل إمكاناتها في هذا المجال بتصرف حرب الابادة التي يقودها ضد غزة ولبنان.
في المقابل، يتوحش العدو الاسرائيلي أكثر فأكثر، ويرتكب العديد من المجازر في مختلف المناطق مستعيدا سيناريو غزة لجهة القتل من أجل القتل في ظل عجزه الكامل عن تحقيق أهداف الحرب لا سيما إعادة المستوطنين الى المستوطنات في شمال فلسطين المحتلة.
لا يختلف إثنان حول التفوق الاسرائيلي عسكرياً وتكنولوجياً، لكن هذا التفوق لم يترجم على أرض الواقع سوى إستهدافا للمدنيين وتدميرا للمنازل، فضلا عن تنفيذ عمليات إغتيال منظمة لقيادات المقاومة التي إعتادت على تقديم التضحيات وزفّ الشهداء الذين تشكل دماءهم وقودا للاستمرار في المواجهة.
لطالما كان الاغتيال عملا جبانا عبر التاريخ، وهو لم يسبق له أن أدى الى هزيمة أي من الشعوب لا سيما تلك التي تحمل قضايا عادلة.
ولا شك في أن أسلوب الكيان الصهيوني في الاغتيال يستبطن عجز جيشه عن تحقيق إنتصار حقيقي، ففي العام ١٩٤٨ إحتل العدو الغاشم فلسطين وقتل أهلها علنا وشردهم ضمن مشروعه الاحتلالي التوسعي، وفي العام ١٩٦٧ ألحق هزيمة بالعرب وزاد من مساحة الأراضي العربية المحتلة بجيش كان قادرا على تحقيق أهدافه.
هذا الجيش نفسه خرج من لبنان تحت ضربات المقاومة في العام ألفين، وفشل في تحقيق إنتصار في العام ٢٠٠٦، وقبل عام واحد تعرض لهزيمة نكراء وتاريخية في عملية طوفان الأقصى، وثبتت المقاومة الفلسطينية هذه الهزيمة بصمود أسطوري إمتد لعام كامل، وكذلك جبهة الاسناد التي قادها حزب الله وهجرت مستوطني شمال فلسطين وأربكت إسرائيل التي وجدت نفسها في مأزق دفعها الى القيام بأعمال جبانة وإرهابية تمثلت بسلسلة من الاغتيالات.
هذه الاغتيالات شكلت ضربة قاسية للمقاومة وبنيتها وبيئتها لا سيما بعد إستشهاد الأمين العام السيد حسن نصرالله، لكنها ليست ضربة قاصمة، فبالرغم من الحدث الجلل ما تزال المقاومة تنفذ العمليات النوعية في حيفا ويافا وصفد وصولا الى ضرب محيط مدينة القدس، وإستهداف القواعد العسكرية وتجمعات الجنود وإجبار الصهاينة على المبيت في الملاجئ.
كل ذلك يؤكد أن لحزب الله الآلاف من الكوادر والقادة، وأن ميدانه ما يزال على جهوزيته، وهو قادر بعد إختيار الأمين العام الجديد على إنتاج قيادة شابة، خصوصا أنه جزء من منظومة سياسية محلية وإقليمية، ويتمتع بحاضنة شعبية لا يستهان بها من شأنها أن تساعده على النهوض وبسرعة قياسية من خلال دم جديد يمتلك أصحابه القدرات والامكانات والخبرات والجرأة والشجاعة التي قد تذهل الناس في المرحلة المقبلة.
صحيح أن بنيامين نتنياهو ينتشي اليوم بأعماله الارهابية ويحاول على وقع الاغتيالات وإستثمار دماء شهداء المقاومة أن يحصّن نفسه وحكومته وأن يحسّن صورته داخل المجتمع الاسرائيلي وأن يرسم صورة إنتصار إعلامي هو بأمس الحاجة اليه، لكن تأثير ذلك لن يدوم طويلا، خصوصا أن كل ما قام بتحقيقه لن يبدل شيئا في وقائع الميدان وفي أهداف الحرب البعيدة المنال، حيث لم يقض على حركة حماس، ولم يستعد الأسرى لديها بالقوة، ولم يُخرج ابناء غزة من أرضهم، ولم يستطع إعادة النازحين الى المستوطنات الشمالية، ولم تؤد إغتيالاته الى إضعاف المقاومة التي تستعد لولادة جديدة!.
غسان ريفي – سفير الشمال