كتبت صحيفة “الجمهورية”: شنت المقاتلات الاسرائيلية سلسلة غارات هي الأشد عنفا على الضاحية الجنوبية منتصف ليل امس، ودمرت أبنية بشكل كامل، في ما بدا رداً على ما تعرضت له القوات الإسرائيلية من ضربات وخسائر كبيرة خلال محاولاتها التوغل داخل الأراضي اللبنانية.
كما ينتظر العالم ما سيكون عليه مستقبل المنطقة في ضوء ردّ إسرائيل المنتظر في اي وقت على الهجوم الصاروخي الايراني الاخير، فيما يشهد لبنان حركة سياسية وديبلوماسية في ظل استمرار العدوان الاسرائيلي المتمادي عليه، وفشل المحاولات المتكرّرة لاجتياح منطقة الجنوب، على وقع قصف جوي متواصل يُسقط شهداء ويُلحق دماراً كبيراً في مختلف المناطق، نتيجة المقاومة الشرسة التي اوقعت امس 17 قتيلاً إسرائيلياً بين ضابطً وجندي، في الوقت الذي تنشط حركة سياسية داخلية للتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية.
وسط النار الملتهبة من كل حدب وصوب، وعلى وقع الصواريخ والقنابل التي تمطر في سماء لبنان مستبقة فصل المطر، لم يعد أمام اللبنانيين سوى الصلاة والدعاء، وشيء من الجهود الديبلوماسية التي لا يعيرها العدو اي اهتمام.
وقال مصدر سياسي بارز لـ«الجمهورية»: «انّ بيان عين التينة الذي صدر عن الاجتماع الثلاثي بري ـ ميقاتي ـ جنبلاط، يجب قراءته وفق مسارين. الشق الاول يتمحور حول الحرب ونتائجها، وتضمّن تأكيد موقف لبنان على المبادرة الفرنسية ـ الاميركية، إضافةً إلى النداء لمعالجة الأوضاع الإنسانية المستجدة. والشق الثاني يتعلق بالاستحقاق الدستوري المتمثل بانتخاب الرئيس. وهي أولويات ليست مرتبطة ببعضها البعض تنفيذياً إنما مسارها ينعكس على بعضه البعض».
والبيان، بحسب المصدر «هو دعوة صريحة للفريق المعارض الى أن يشارك في تسهيل عملية الانتخاب». واكّد المصدر «انّ التطورات الحالية فرضت وقائع جديدة ومعطيات استدعت هذا اللقاء وهذا البيان». كاشفاً انّ حواراً مكثفاً يجريه رئيس مجلس النواب نبيه بري ولقاءات تشاورية ستشمل جميع الأطراف لتحضير الأرض، وهذا التغيير الذي طرأ على الاستحقاق الرئاسي ينتظر الطرف الآخر ان يتلقفه ويتعاطى معه بإيجابية، خصوصاً انّ التجربة القريبة برهنت انّ الرهان لا يعطي نتيجة، بل على العكس يعقّد الأمور. أما موضوع ربط الجبهات فلم يعد الموقف الرسمي يحتاج إلى توضيحه، لأنّ البيان الفرنسي- الاميركي واضح لجهة ربط القرارين 1701 و 2235، ولبنان اعلن تأييده لهذا الاقتراح كما هو».
وقال المصدر: «نحن بمسار حرب، ونرى أمامنا التصعيد المتدحرج للعدو، لكن المسار السياسي والديبلوماسي يعمل بقوة، وهناك اكثر من طرف جدّي إقليمي ودولي يساندون لبنان ويريدون تجنيبه توسيع الحرب اكثر، خصوصاً انّ الجميع متنبهون للنيات الاسرائيلية ومحاولاتها إلى جانب الأهداف العسكرية، ضرب الوحدة الوطنية والتضامن بشتى الطرق».
ميقاتي: رئيس وحوار
وكان التطور البارز امس زيارة الرئيس نجيب ميقاتي لبكركي مساء، ودعوته الجميع من هناك الى «انتخاب رئيس توافقي للجمهورية اليوم قبل الغد». واكّد التطابق في وجهات النظر بينه وبين البطريرك الراعي حول «ضرورةِ حثّْ دولِ العالمْ على الضغطِ على العدوِ الإسرائيلي لوقفِ عدوانِه على لبنان». وقال انّه أطلع الراعي على ما توافق عليه في لقاءِ عين التينة مع بري وجنبلاط. وقال: «رأينا أنَّ من واجبنا الوطني، ومن موقعنِا المسؤولْ، أن ندعو جميعَ القوى السياسيةْ إلى لقاءٍ حواري، نخرجُ منه بوحدةِ موقفٍ يعبّر عن تضامننِا بين بعضنِا البعض، تاركينَ خلافاتنِا السياسيةِ جانبًا». ودعا الى «مواجهةِ ما يتهدّدُ وجودنَا بموقفٍ إنقاذي موحدّْ». وقال: «تعالَوا جميعا لننتخبْ رئيسًا توافقيًا للجمهورية اليوم قبل الغد». تعالَوا لنتعالى عن خلافاتنِا الضيّقةْ. فالوطن في خطر داهم. وإنقاذهُ يتطلب منّا وقفةً شجاعةً مشتركةً». واشار الى انّ الراعي «يشجع فوراً على انتخابِ رئيسٍ للجمهوريةْ يكونُ من بينِ أولوياته توحيدُ كلمةِ اللبنانيين».
وأسف ميقاتي للانتقادات التي وُجّهت الى لقائه مع بري وجنبلاط، فقال: «آسف للكلام الذي قيل والذي ركّز على الشكل، لا المضمون الوطني الجامع في الشكل الذي ورد في البيان. كنت اتمنى لو انّ الفريق الذي انتقد شكل اللقاء، ان يحكم على مضمون هذا البيان وخلاصته التشديد على وقف اطلاق النار وتطبيق القرار 1701 وانتخاب رئيس الجمهورية».
وعن الحوار ومن يرأسه قال ميقاتي: «المسألة الاساسية هي انتخاب رئيس الجمهورية. اليوم هناك ربما بعض الإشكالات على الاسماء، والرئيس بري قال، ونحن اوردنا في البيان، ضرورة ان لا يكون رئيس تحدّ، ولا مع فريق ضدّ آخر. هذا هو المطلوب في الوقت الحاضر».
بارو مجدداً
والى ذلك، سيزور بارو لبنان نهاية الاسبوع للمرّة الثانية في خلال ثلاثة ايام. وقالت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» انّ فرنسا «تلقفت بارتياح» المبادرة التي أطلقها بري وميقاتي وجنبلاط، وهو ما دفعه للعودة الى بيروت للتثبت من القدرة اللبنانية على تجاوز الأزمة الحالية والتوجّه الى تثبيت وقف النار. علماً انّ باريس ومعها عواصم الخماسية، يفضلون أن يُنتخب الرئيس قبل اي خطوة اخرى. ذلك انّ ربطه بوقف للنار سواء في الجنوب او في غزة غير ضروري، لانّه سيكون عليه متابعة التطورات الطارئة ابتداء من وقف النار واستعادة السلطات الدستورية مهماتها بعد اكتمال عقدها.
الردّ الإسرائيلي
من جهة ثانية، وفيما تتجّه الانظار الى ايران ترقباً للردّ الاسرائيلي المنتظر على الهجوم الايراني الاخير قال الرئيس الأميركي جو بايدن امس، أنّ «لا شيء سيحدث الخميس (أمس) في شأن ردّ إسرائيلي على إيران». وأفادت وكالة «رويترز»، نقلًا عن 3 مصادر، بأنّ «وزراء من دول الخليج وإيران ناقشوا في الدوحة خفض التصعيد في الصراع بين إسرائيل وإيران». ولفتت إلى أنّ «دول الخليج سعت لطمأنة إيران في شأن حيادها، وسط مخاوف من أن يؤدي التصعيد لتهديد منشآت نفط بالخليج».
وفي هذه الاثناء، نقل موقع «أكسيوس» عن مسؤولين إسرائيليين قولهم أمس، إن «إسرائيل ستشن رداً قوياً خلال أيام على الهجوم الإيراني الكبير». وأشاروا إلى أنّ «الردّ المرتقب يستهدف منشآت إنتاج النفط داخل إيران ومواقع استراتيجية أخرى».
ونقلت قناة «الجزيرة» عن مصدر إيراني مسؤول قوله «إننا وجّهنا عبر قطر رسالة لواشنطن تناولت أوضاع المنطقة بعد ضربتنا الأخيرة للكيان الصهيوني».
عرقجي في بيروت
وفي هذه الاجواء، يزور وزير الخارجية الايرانية عباس عرقجي لبنان اليوم، في أول زيارة له لبيروت منذ تشكيل الحكومة الايرانية الجديدة. وسيبدأ لقاءاته مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ثم مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. ولم يُعلن عن برنامج لقاءاته مع اي من قيادة حزب الله او اي لقاءات اخرى مع ممثلي الفصائل الفلسطينية في لبنان.
استمرار العدوان
وفي الميدان، تواصل العدوان الاسرائيلي قصفاً جوياً تدميرياً على الضاحية الجنوبية لبيروت وعدد من المناطق، مترافقاً مع محاولات للدخول البري الى المنطقة الحدودية الجنوبية. وقال حزب الله في بيان: «تؤكّد غرفة عمليات المقاومة الإسلامية من مصادرها الميدانية والأمنية الموثوقة، أنّ عدد القتلى في صفوف ضباط وجنود العدو الاسرائيلي في المواجهات البطولية التي خاضها مجاهدو المقاومة اليوم الخميس 03-10-2024 (أمس) قد بلغ 17 ضابطًا وجنديًا».
وأكّدت اوساط قيادية في حزب الله لـ«الجمهورية» انّ الحزب تمكّن من استعادة المبادرة العسكرية والإعلامية، كذلك استعاد تماسكه التنظيمي والقدرة على تأمين التواصل بين اجهزته بعد فترة الإضطراب التي مرّ فيها.
ولفتت هذه الاوساط الى «انّ محور المقاومة بكل أطرافه استجمع قواه وصفوفه وانتقل الى مرحلة جديدة من المواجهة مع العدو الأسرائيلي، كما تثبت الضربات الإيرانية واليمنية والعراقية والفلسطينية التي تلقّاها كيان العدو اخيراً». واكّدت «انّ المقاومة في الجنوب في أفضل ما يكون من جهوزية، سواء على مستوى الاستعداد البري او القدرة الصاروخية».
واكّدت الاوساط «انّ الثمن المرتفع الذي دفعه العدو لدى محاولته التوغل البري في المنطقة الحدودية ليس سوى دفعة اولى على الحساب»، مشيرة الى «انّ المفاجآت الصادمة ستكون في انتظاره اذا اراد توسيع عدوانه البري».