ضاعفت الصواريخ الباليستية التي أطلقتها إيران باتجاه إسرائيل يوم الثلاثاء الفائت ردا على غطرستها وجرائمها، وأصاب نحو 80 بالمئة منها أهدافا عسكرية مختلفة من قواعد ومطارات ومراكز، من تخبط رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو الذي يحاول فرض واقع جديد ينطلق من أن إسرائيل هي القوة الضاربة في منطقة الشرق الأوسط بحماية أميركية، لها كلمتها ولا يستطيع أي كان مواجهتها أو إستهدافها.
لذلك، فإن نتنياهو يقع اليوم بين نارين، فإذا كان رد إسرائيل على إيران محدودا فإن هذه القوة التي يطمح لإعادة بنائها ستسقط وسيدفع الثمن في الداخل الاسرائيلي، وفي حال كان الرد بسقف مرتفع فإنه قد يجرّ المنطقة الى حرب إقليمية شاملة لا تريدها أميركا على مسافة شهر من إنتخاباتها الرئاسية.
لا شك في أن نتنياهو يطمح الى أن يكون رده فوق سقف الرد الايراني بهدف ضرب عصفورين بحجر واحد الأول تثبيت قوة إسرائيل في المنطقة، والثاني إستدراج أميركا الى حرب مع إيران في حال كان رد الأخيرة على الرد الاسرائيلي مدمرا كما سبق وهددت.
لا شك في أن إيران لا تريد الحرب، وقد ترجمت ذلك بحصر ردها باستهداف القواعد والمطارات والمراكز العسكرية، لكنها أيضا لا تريد أن يُفهم ذلك ضعفا أو عدم قدرة على حماية حلفائها في المنطقة من جنون وغرور نتنياهو الذي يصر على إستهداف المدنيين في غزة وفي لبنان، وعلى تدمير البنية التحتية لحزب الله وإغتيال قادته.
في غضون ذلك، يبدو الرئيس الأميركي جو بايدن يعمل على هندسة الرد الاسرائيلي على إيران لكي يكون ضمن السقف الذي لا يدفع المنطقة الى حرب، علما أنه طيلة هذه الحرب لم يتصرف كرئيس أقوى دولة في العالم، بل كعجوز ضعيف خائف على موقعه وغير قادر على مواجهة جنوح نتنياهو نحو القتل والتدمير والتهجير.
في حين وجد منافسه الجمهوري دونالد ترامب الفرصة سانحة لرفع سقف الخطاب الانتخابي والشعبوي بدعوة نتنياهو الى ضرب المنشآت النووية في إيران في محاولة لإظهار كل الدعم له كمدخل لإرضاء اللوبي الصهيوني وإستمالة أصواته في الانتخابات المنتظرة.
كل ذلك يؤكد أن أميركا بجناحيها الديمقراطي والجمهوري تخوض إنتخاباتها الرئاسية على دماء الفلسطينيين واللبنانيين وترهن مصير المنطقة بكاملها.
وفي قراءته للواقع السياسي الأميركي، يعتقد نتنياهو أنه قادر على الدخول الى الحرب ويحلم بتحقيق ضربة للمشروع النووي الإيراني، لذلك قد يحاول توجيه ضربة عنيفة لإيران ثم يسارع للإحتماء بأميركا لمساعدته على مواجهة الرد أو إدخالها الى هذه الحرب وتوريطها بما لا يريده رئيسها جو بايدن والحزب الديمقراطي.
لا شك في أن من يتابع التطورات، يجد أن نتنياهو بات على قناعة بأنه عاجز عن تحقيق أهداف الحرب التي رفعها بعد عملية طوفان الأقصى لجهة القضاء على حماس وإستعادة الأسرى الاسرائيليين بالقوة وإعادة المستوطنين الى المستوطنات الشمالية وتفكيك حزب الله والغزو البري لإعادة قوة الرضوان عشرة كيلومترات بإتجاه شمال الليطاني، وكذلك، فإن الفشل الاسرائيلي في تحقيق أي تقدم بإتجاه الأراضي اللبنانية دفعت العدو الى التواضع في أهدافه على الحدود الجنوبية خصوصا أن الخسائر التي يتكبدها يوميا بمقتل عشرات الضباط والجنود ستنعكس سلبا على نتنياهو الذي كان يمني نفسه بالوصول الى ٧ أكتوبر (الذكرى السنوية الأولى لعملية طوفان الأقصى) بمجموع إنجازات يغطي على الفشل في تحقيق أهداف الحرب، إلا أن التصدي البطولي للمقاومة في جنوب لبنان وتوسيعها رقعة الاستهداف على مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة التي تطالها الصواريخ، والرد الايراني الأخير، أعاد نتنياهو الى مربع المساءلة الأول حول ماذا حققت إسرائيل من أهداف هذه الحرب؟!..
غسان ريفي – سفير الشمال