خضر حسان – المدن
سعى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة منذ نحو عام إلى التقليل من حجم الأزمة النقدية، مطلقاً شعاره الشهير بأن الليرة بخير. استند سلامة إلى إمكانية إيجاد مخرج مناسب وسريع، بالتوافق مع القوى السياسية والقطاع المصرفي. ولم يحدث ذلك. ومذّاك، بات الحاكم يعرض معطياته على “بساط أحمدي”، محرجاً السلطة والمصارف. وإن تراجع أحياناً، فعَرَضيّاً، من دون تعديل في جوهر مَقصَده.
حتمية وقف الدعم
مبكراً، أكّد الحاكم حتمية وقف دعم استيراد المحروقات والقمح والدواء. وَضَع سلامة نهاية العام الحالي موعداً لوقف الدعم، على أن يكون الدواء أوّل ضحايا القرار، تليه المحروقات، ثم القمح. تراجَعَ الحاكم مِن التبشير بوقف الدعم إلى التطمين بأن الإجراء المنتظر هو ترشيد الدعم وليس وقفه كلياً. وجاء ذلك بعد حركة سياسية سريعة من قِبَل المنظومة، رَفَضَت خلالها وقف الدعم، كلامياً، لتثبت لجمهورها أنها تمسك زمام الأمور وقادرة على اكتساب الوقت، لحين إيجاد الحلول المناسبة والخروج من الأزمة.
ضاعت المنظومة في تحديد القيمة الدولارية المتبقّية لترشيد الدعم في محفظة مصرف لبنان. ولم يلجأ سلامة إلى إيضاح المسألة، بل ساهم في تعميتها أكثر عن طريق طرح إمكانية خفض الاحتياطي الإلزامي من العملات الأجنبية من 15 بالمئة إلى نحو 12 بالمئة أو 10 بالمئة، ما يؤكّد أن الوقف آتٍ وإن جرى تأجيله عبر الترشيد.
ماذا نملك؟
مع أنَّ خيار خفض الاحتياطي الإلزامي، جرى إنكاره والتراجع عنه، وإن مرحلياً، فإنَّ ما نملكه ما زال لغزاً، ويجري الحديث عنه بالتواتر، نقلاً عن لسان الحاكم أو لسان مسؤول هنا أو زعيم سياسي هناك.
فحتى رئيس الحكومة حسان دياب، لا يعلم شيئاً عن المبلغ الذي يطمئن اللبنانيين استناداً إليه. إذ يقول دياب يوم الثلاثاء 29 كانون الأول: “سمعنا من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن هناك مليارين (دولار) قبل الوصول إلى الاحتياطي”. مشيراً إلى أنّه “لم يبلِّغني مباشرة بالرقم”. ومع ذلك، يؤكّد دياب أنه “مع اعتماد الترشيد يكفينا المبلغ ستة أشهر”.
يَشهَد رئيس الحكومة بما لم يسمعه من الحاكم. علماً أنَّ الأخير كان قد أعلن عن امتلاك المصرف المركزي 800 مليون دولار فقط، مخصصة للدعم، ليعود ويلوّح بوجود مليارين، من دون حسم ذلك.
الاحتياطي الإلزامي إلى الواجهة
عدم الافصاح عمّا يملكه المركزي من أموال مخصصة للدعم، سواء الكلّي أو المُرَشَّد، يُعيد إلى الواجهة إمكانية خفض الإحتياطي الإلزامي للمصارف، لكن من دون المجاهرة بذلك. فالحاكم مرّة أخرى، لا ينطق عن الهَوى النقدي، فما يقوله، إما يُنَفَّذ، وإما رسالة مباشرة للمنظومة.
مِن أين سيأتي الحاكم بأموال لترشيد الدعم فيما لو كان المبلغ المتبقّي 800 مليون ليرة؟ ومِن أين سيأتي بالمزيد بعد 6 أشهر إن صَدَقَ حسان دياب، وكان في جعبة المركزي 2 مليار دولار؟ الجهات الدولية لن تتصدَّقَ على لبنان بفلس أرملة، فلا يبقى سوى “قجّة” الولد الصغير، أي أموال المودعين التي تتّخذ صفة الاحتياطي الإلزامي في قاموس القطاع المصرفي.
المسّ بالاحتياطي الإلزامي قد يكون سرّاً، عبر اقتطاع نسبة منه من دون الإعلان عن ذلك أمام الجمهور. لكن هذه العملية “تحمل انعكاسات خطيرة على المستوى الاقتصادي والنقدي، وتصيب القطاع المصرفي ومصرف لبنان، بالإضافة إلى المودعين. فموجودات المصارف بالعملة الأجنبية ستتقلّص، وتتراجع قدرتها على تلبية طلبات المودعين، خصوصاً فيما لو حصلت عملية إعادة هيكلة القطاع، فأقفلت مصارف وأدمجت أخرى. إلى جانب التأثير السلبي على سمعة مصرف لبنان”، وفق ما تقوله مصادر مصرفية، تستبعد في حديث لـ”المدن”، أن يُقدِمَ المصرف المركزي على خطوة كهذه “من دون ترتيبها وتنسيقها وأخذ الموافقة عليها من جمعية المصارف. لكن في هذه الحالة، تكون المصارف قد وافقت على قلب الطاولة على رأسها، لأن المراهنة على ما قد تخلقه ظروف البلاد في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2021 أو حتى الأشهر الستة، إذا ما صحَّ كلام رئيس الحكومة، هو رهان خاسر وقفزة في المجهول. فالمجتمع الدولي غير مستعد لالتقاط لبنان جرّاء أي خطوة متهوّرة”.
قد تطلب جمعية المصارف ضمانات من الحاكم لقاء موافقتها على تخفيض الاحتياطي الإلزامي. وأولى الضمانات هي تغطية تخفيضات إضافية لسقوف السحب، أو حتى تغطية عملية إقفال أبوابها تحت ذرائع شتّى، تساعدها في تخفيض الطلب على سحب الأموال. “لكن تبقى هذه الإجراءات شكلية مقارنة مع حجم الأزمة المقبلة، والتي لن تكون المصارف بمنأى عنها”.
لا شيء مؤكّد في هذا الخصوص، لكن لا شيء مُستَبعَد تماماً. هي لعبة مفتوحة تستفيد خلالها جميع الأطراف من عامل الوقت، ريثما يأتي الحل من الخارج. والخارج حالياً منشغل بأزماته الصحية والاقتصادية والسياسية.