بعد فترة طويلة من المراوحة إمتدت منذ الفراغ الرئاسي قبل نحو سنتين، وحتى قبل ذلك، حسم رئيس التيّار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل موقفه من التحالف مع حزب الله، ومن وثيقة التفاهم بينهما التي وُقّعت في شباط 2006، وقطع أمس بموقفه من هذا التحالف مسافة بعيدة عنه، ناسفاً جسوراً كثيرة خلفه ليس من السهولة بمكان رأب ما شهدته من تصدّعات وتشقّقات وانهيارات.
أبرز سؤال طرح أمس، كما أسئلة أخرى برزت قبل ذلك منذ ظهور التباين بين الحزب وباسيل، هو أنّ باسيل الذي انتقل من ضفّة التحالف مع حزب الله إلى ضفة أخرى: إلى أين؟ ومن سوف يكون حليفه في المرحلة المقبلة؟ ولماذا اختار الإنقلاب على حزب الله وفك إرتباطه معه في أكثر الأوقات دقّة وصعوبة للحزب الذي يواجه حرباً ضروساً ومصيرياً في مواجهة العدو الصهيوني، وكيف سيكون ردّ الحزب عليه؟
فحين يقول باسيل إنّه “اليوم ليس في وضع تحالف مع حزب الله”، مضيفاً أنّ “الحرب القائمة بدأت بهجوم الحزب على إسرائيل”، فذلك يعني مجموعة نقاط تستدعي التوقف عندها بإمعان، من أبرزها:
أولاً: عندما يُقدم باسيل على فكّ تحالفه في هذا الظّرف الحسّاس والمصيري مع حليف دعمه بشكل كبير منذ تفاهم شباط 2006، وجيّر كلّ إمكاناته في سبيله، رئاسياً ووزارياً ونيابياً، لا يكون فقط طعن حليفه في الظهر كما اتهمه كثيرون، ولا تخلّى عن الحدّ الأدنى من أخلاقيات السياسة، كما وصفه خصوم الحزب قبل حلفائه، إنّما يُقدم باسيل على عزل نفسه وتيّاره سياسياً، ويرسم مستقبلاً قاتماً له في الحياة السياسية اللبنانية.
ثانياً: دأب باسيل طيلة السنوات الأخيرة، خصوصاً عندما كان وتيّاره على رأس السّلطة، على استعداء أغلب الفرقاء السّياسيين، إنْ على السّاحة المسيحية أو الوطنية، واقتصر تحالفه على حزب الله فقط الذي أمّن له مظلّة سياسية واسعة. لكن اليوم عندما يخسر باسيل آخر حليف له مع من سيتحالف مستقبلاً، وهل من حليف آخر يستطيع أن يُقدّم له نذراً يسيراً ممّا قدّمه له حزب الله، ومن سيقتنع بعد كلّ ما حصل أن يضع يده في يد باسيل سياسياً؟
ثالثاً: يُدرك باسيل أو يتعمّد التجاهل أنّه لولا تحالفه الإنتخابي مع حزب الله ومع حلفاء الحزب، لما تمكّن في الدورات الإنتخابية المتتالية من حصد أكثر من 8 ـ 9 نوّاب، في أحسن الأحوال، من أصل 20 نائباً حصدهم في استحقاق 2022، فهل يُدرك باسيل وتيّاره أيّ مستقبل إنتخابي ـ سياسي صعب ينتظرهم عند أوّل إستحقاق؟
رابعاً: لن تقتصر الإنتقادات التي ستوجّه إلى باسيل على موقفه الأخير من الحزب أو حلفائه فقط، ذلك أنّ خصوم الطرفين لم يتردّدوا عن التهجّم على باسيل وعلى الشماتة بالحزب. ولكنّ هذه الإنتقادات لن تقتصر عند هذا الحدّ، بل إنّها ستبرز بقوة داخل تيّار باسيل في الأيّام المقبلة، سواء من النواب والكوادر التي انشقت أو ابتعدت أو أُبعدت عن القلعة البرتقالية، أو من كوادر وقواعد التيّار التي سترى أنّ باسيل وجّه بموقفه الاخير ضربة قوية للتيار قد لن يقوى على التماسك بعدها.
خامساً: قد يقرأ البعض أنّ باسيل بموقفه هذا إنّما يُقدّم أوراق اعتماده إلى قوى إقليمية ودولية نافذة في لبنان من أجل تبنيه كمرشح لرئاسة الجمهورية. غير أنّ هذه القراءة تنقصها الواقعية السياسية، وهي تبدو مثل سراب يسعى باسيل نحوه.
سادساً: الأرجح أنّ حزب الله لن يردّ على باسيل في الوقت الحالي، أقله مباشرة، لأنّ ظروف الحرب وتداعياتها تتقدم لديه على أيّ اعتبار آخر. غير أنّ ردوداً غير مباشرة كثيرة ستصل إلى باسيل خلال الأيّام المقبلة. وسواء طال أمد الحرب العدوانية أو انتهت قريباً، فإنّ ما نُسج من تحالف بين باسيل والحزب أصبح من الماضي. وإذا كان الحزب سيجد أكثر من حليف سياسي وانتخابي له على السّاحة المسيحية، أبرزهم من انشق عن باسيل وتيّاره، فإنّ رئيس التيّار الوطني الحرّ سيجد نفسه وحيداً ومعزولاً.
عبدالكافي الصمد – سفير الشمال