أكثر من ٣٦ ألف مرة أقدمت إسرائيل على خرق القرار ١٧٠١، منذ العام ٢٠٠٦ ولغاية اليوم حيث تشن منذ أسابيع عدة عدوانا همجيا ووحشيا على المناطق اللبنانية جنوبا وبقاعا وضاحية جنوبية وتسعى الى إحتلال جزء من الشريط الحدودي بحجة تحقيق هدف إعادة المستوطنين الى منطقة شمال فلسطين المحتلة بأمان.
لم يتوان العدو على مدار ١٨ عاما عن الاعتداء على لبنان بحرا وبرا وجوا، فضلا عن إعتماد أجوائه مرات عدة لضرب المناطق السورية، لذلك فإنه يهدف من هذه الحرب الى بلوغ أمر واقع جديد يستطيع من خلاله أن يفرض ما يشبه وصاية على لبنان من خلال رؤية قدمها الى الادارة الأميركية ويعتبر نفسه فيها شريكا لقوات اليونيفل في المراقبة وتنفيذ الدوريات لضمان عدم قيام حزب الله بأي نشاط عسكري، وحماية لمستوطنات الشمال.
يبدو واضحا أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو قد بالغ في أحلامه التي تتكسر اليوم عند أقدام رجال المقاومة الذين يسطرون أروع ملاحم البطولة في التصدي للغزو الصهيوني جنوبا، وفي ترجمة مرحلة “إيلام العدو” بالصليات الصاروخية التي تحقق أهدافها.
لا شك في أن نتنياهو المأزوم والمهزوم في غزة بالرغم من كل محاولات رسم صور الانتصار وآخرها بعملية قتل الشهيد يحيى السنوار التي ردت عليها المقاومة باستهداف خمسة ضباط وقتل العميد إحسان دقسه قائد اللواء ٤٠١ والمرشح لرئاسة الأركان في الجيش الاسرائيلي، قد نسج خيالا واسعا بالنسبة للجبهة مع لبنان، حيث إعتبر أنه بإرتكابه مجزرة البايجر والأجهزة اللاسلكية وإغتيال قادة الرضوان وعدد من قادة الميدان وبعد ذلك الأمين العام الشهيد السيد حسن نصرالله وبعده السيد هاشم صفي الدين، أنه يستطيع ضرب بنية حزب الله، وأن يحتل جزءا من لبنان وأن يطوّع بيئة المقاومة والمناطق اللبنانية بالحديد والنار وان يدخل كشريك مضارب للدول التي لديها نفوذا في لبنان للتدخل بالشؤون السياسية، وبالتالي العمل على استصدار قرار دولي جديد يشرع له كل هذه الطموحات، ويرضخ له لبنان المنهك بالتدمير والقتل والاغتيالات.
حسابات نتنياهو جاءت مغايرة تماما لحسابات الميدان الذي سبق ووعد الشهيد حسن نصرالله انه سيكون بين المقاومة وإسرائيل إضافة الى الأيام والليالي التي تشهد على إستعادة المقاومة للقيادة والسيطرة والعافية والقوة، وإستيعاب الضربات التي تعرضت لها ومعالجة كل آثارها، والانطلاق بمراحل الحرب التي لكل منها أهداف ونتائج يمكن ترجمتها في المفاوضات الجارية.
ثلاثة أسابيع من الفشل الاسرائيلي في الميدان وفي التصدي لصواريخ ومسيرات المقاومة التي وصلت لتضرب منزل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ومن الغارات الانتقامية ضد بيئة المقاومة قتلا وتدميرا والتي ما تزال على ثوابتها رغم كل المآسي التي حلت بها.
وما فشلت إسرائيل في تحقيقه في الميدان، سعت الولايات المتحدة الأميركية لإعطائها إياه بالسياسة من خلال ترويج رؤية إسرائيلية أميركية لتعديل القرار ١٧٠١ مترافقا مع غطاء ناري إسرائيلي كثيف للضغط على لبنان من أجل القبول بها، لكن الموقف الرسمي لم يكن أقل صلابة من موقف المقاومة حيث أبلغ الرئيسان نبيه بري ونجيب ميقاتي المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين أن لا مجال لتعديل القرار ١٧٠١ مهما كانت الظروف والمعطيات، وأقصى ما يمكن أن يقدمه لبنان في هذا الاطار هو تطبيق القرار ١٧٠١ بكامل مندرجاته على أن تلتزم إسرائيل أيضا به وأن توقف إنتهاكاتها للسيادة اللبنانية وصولا الى وقف إطلاق النار .
من الطبيعي أن ترفض إسرائيل الاقتراح اللبناني، وأن تضغط أكثر بالنار التي تطال الأبرياء المدنيين والأطفال بعدما إستنفدت كل أهدافها من دون أن تحقق أي نتيجة تساعدها في تنفيذ طموحاتها العدوانية أو في رسم صورة إنتصار.
لذلك، فإن سباقا محموما يفرض نفسه بين الميدان والاتصالات الدبلوماسية، وإذا كان الأول محكوما بالفشل الاسرائيلي بفعل صمود المقاومة، فإن المساحة ما تزال مفتوحة أمام الاتصالات من حراك هوكشتاين في لبنان الى مساعي بلينكن في فلسطين المحتلة الى باريس التي وصلها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والتقى الرئيس إيمانويل ماكرون تمهيدا لمؤتمر الدعم للبنان الذي ينطلق اليوم، وتؤكد المعلومات انه لن يقتصر على تأمين المساعدات فقط، بل قد يصدر عنه وثيقة سياسية مدعومة دوليا وعربيا لوقف إطلاق النار والركون الى القرارات الدولية.
غسان ريفي- سفير الشمال