الخميس, أكتوبر 24

استراتيجية المقاومة تحبط أهداف العدو وتدفعه إلى تمديد عدوانه

قرّرت قيادة جيش الاحتلال الصهيوني تمديد عدوانها البري في جنوب لبنان، بعد أن انتهت المدة التي حدّدتها لإنجاز أهدافها وهي ثلاثة أسابيع، وذلك بعد دخل العدوان في أسبوعه الرابع، من دون أن يتمكن جيش الاحتلال من تحقيق الأهداف التي حددها لهجومه البري، وهي السيطرة على المناطق الحدودية المحاذية للأراضي المحتلة، بعمق 5 كلم، وتحويلها إلى أراضٍ خالية من السكان والعمران، لتكون منطقة عازلة على طول الحدود، ومن ثم ربط انسحاب جيش الاحتلال منها بانسحاب قوات المقاومة إلى ما وراء نهر الليطاني، وتفكيك وتدمير البنية العسكرية للمقاومة في كلّ منطقة جنوب الليطاني، ونشر قوات متعدّدة الجنسيات في هذه المنطقة تتولى مهمات الأمن فيها ومنع ايّ تواجد مسلح للمقاومة في المستقبل، والقيام بعمليات التفتيش والمداهمة بشكل مستمر من دون أخذ إذن الحكومة اللبنانية، او التنسيق المسبق مع الجيش اللبناني.. وصولاً إلى العمل على فرض تطبيق القرار 1559 الذي صاغته «إسرائيل» وعملت العواصم الغربية على تسويقه في مجلس الامن وتحويله إلى قرار.. وهو يستهدف تجريد المقاومة في لبنان من سلاحها وحصر وجود السلاح بالجيش اللبناني..

ويبدو من الواضح أنّ شدة المقاومة في القرى الأمامية، وتكتيكاتها الناجحة، هي التي حالت حتى الآن دون نجاح جيش الاحتلال في تحقيق أيّ تقدّم فعلي على طريق بلوغ أهدافه، وهذا يعني انّ العدو يواجه صعوبات حقيقية في الميدان، نابعة من قوة وضراوة المقاومة، التي فاجأت قيادة العدو في قدرتها على النهوض سريعاً من ألم الضربات التي وجهت لها باغتيال قيادات مركزية فيها، ونفذت استراتيجية استعادت من خلالها، وبسرعة، زمام المبادرة في الميدان، وعمل منظومة القيادة والتحكم والسيطرة لديها، في إدارة المعركة، كما أظهرت عمليات المقاومة المنسقة في استخدام مختلف صنوف الأسلحة، البرية والصاروخية والجوية، الأمر الذي مكّن المقاومة من فرض نوع من التوازن في مواجهة العدوان الصهيوني، من خلال:

أولاً: الصمود الأسطوري للمقاومين في ميدان المواجهة البري، وخوض القتال بشراسة ضدّ قوات الاحتلال، واستخدام الصواريخ المضادة للدروع، والصواريخ القصيرة والموجهة ضدّ تحركات قوات العدو ومراكز تجمعها الخلفية، إلى نصب الكمائن والاشتباك مع جنود العدو من مسافة صفر عندما يتقدّمون إلى أطراف القرى، ومنعهم من تحقيق أيّ تقدّم جوهري للسيطرة على القرى الأمامية وتلالها المشرفة.. وقد نجح هذا التكتيك الدفاعي للمقاومة في تحقيق أهدافه، إنْ كان على صعيد تدمير دبابات العدو التي تظهر في ميدان المعركة، أو على صعيد إيقاع القتلى والجرحى في صفوف جنود العدو بإعداد كبيرة، واستطراداً إجبار قوات الاحتلال في كلّ مرة تتقدّم فيها على التراجع إلى الخلف.. في حين أن تدخل طيران العدو لأجل تمهيد الطريق أمام تقدم قوات العدو، لم ينجح في زحزحة المقاومين من مواقعهم المحصنة، التي سرعان ما يخرجون منها لملاقاة جنود العدو في محاولتهم المتكررة للتقدّم.. ولهذا فإنّ المعارك والمواجهات لا زالت في المناطق الحدودية وأطراف القرى الأمامية، وجنود العدو يعجزون عن تحقيق اختراقات جوهرية..

ثانياً: نجاح القوة الصاروخية للمقاومة في الاستعادة التدريجية لنوع من التوازن في مواجهة العدوان الجوي على المدن والقرى الجنوبية والبقاعية والضاحية الجنوبية لبيروت، وذلك عبر القصف اليومي لمدن ومستعمرات الاحتلال في الشمال الفلسطيني المحتلّ وفي الوسط، واستهداف أهداف حساسة وذات أهمية كبيرة من النواحي العسكرية والأمنية والاقتصادية.. وإفقاد كيان العدو الأمن والاستقرار، ودفع المستوطنين في كلّ الشمال، اما إلى البقاء معظم الوقت في الملاجئ، او النزوح باتجاه العمق بحثا عن الأمان..

ثالثا_ استخدام المقاومة سلاح المُسيّرات بفعالية ادهشت العدو والصديق، حيث نجحت مُسيّرات المقاومة في تنفيذ هجمات جوية في المستعمرات والمناطق القريبة من الحدود مع لبنان، وفي عمق فلسطين المحتلة، الأمر الذي حقق جملة من الاهداف:

1 قصف تجمعات جيش الاحتلال في المناطق الخلفية على الحدود، وإيقاع خسائر كبيرة في صفوف جنوده..

2 قصف أهداف ومواقع حيوية في العمق الصهيوني، مثل قاعدة لواء غولاني في بنيامينا جنوب حيفا، وإيقاع عشرات القتلى والجرحى في صفوف الضباط والجنود، وقصف منزل رئيس وزراء العدو نتنياهو في قيسارية، مما شكل ضربة معنوية قاسية لمنظومة الدفاعات الجوية الصهيونية، وكشف عجزها عن حماية أمن رئيس الحكومة، وأظهر قدرة المقاومة على ملاحقة قادة الكيان في أكثر مواقعهم حماية من الناحية الأمنية.. وهذا يعني انّ المقاومة أرادت الردّ على اغتيال قادتها بمحاولة اغتيال المسؤول الأول في كيان العدو عن اتخاذ قرار تنفيذ الاغتيالات.

3 إحداث حالة من عدم الثقة لدى المستوطنين الصهاينة، بعدم قدرة منظومة الأمن الصهيونية على حمايتهم، خصوصاً وأنها لم تستطع حماية منزل نتنياهو.. واستطراداً كشف عدم صحة ادّعاءات قياداتهم عن تدمير قدرات المقاومة وإضعافها.. على أنّ نجاح مُسيّرة للمقاومة، بعد ذلك، في اختراق أجواء فلسطين المحتلة، والتحوّل فيها، من دون أن تتمكن منظومة الدفاعات «الإسرائيلية» طائرات العدو من كشفها واعتراضها، أجبر أكثر من مليون مستوطن على النزول الى الملاجئ لمدة تزيد عن الساعة، قبل أن تسقط المُسيّرة في مكان لم يعرفه العدو..

انطلاقاً مما تقدّم يمكن القول، إنّ المقاومة نجحت في منع العدو من تحقيق أيّ تقدّم في الميدان البري في جنوب لبنان، بعد أكثر من ثلاثة أسابيع على بدء العدوان، وأعادت فرض معادلاتها الردعية عبر قصف العمق الصهيوني ومدن الاحتلال بالصواريخ بشكل يومي، شنّ هجمات نوعية بواسطة سلاح المُسيّرات وإفقاد الصهاينة الأمن، في مقابل قصف طيران العدو للمناطق المدنية اللبنانية… وهو الأمر الذي دفع الخبراء والمحللين الصهاينة الى الاعتراف بأنّ حزب الله استعاد عافيته.. في حين ذهب بعضهم، مثل الباحثة في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي اورنا مزراحي، للدعوة إلى «استراتيجية خروج من الحرب.. حيث قالت حرفيا: «المطلوب من إسرائيل الآن، ومع استمرار استنفاد العمليات العسكرية لإضعاف «حزب الله«، وعملية «تنظيف» الجنوب اللبناني من القوات العسكرية، بلورة استراتيجيا للخروج، كي لا تغرق في حرب طويلة لا جدوى منها في الشمال».

حسن حردان – البناء

Leave A Reply